في معارك الفاشيات المتناحرة.. من يحكم العالم؟
عن جد، ثمة ما يضحك في اليسار العربي، أو منه لافرق، والمضحك هو مناصرة فلاديمير بوتين باعتباره امتدادًا لكارل ماركس أو لينين، وبدرجة أقل لروزا لوكسمبورغ.
هي مناصرة أشبه بالرغبة التي تبحث لنفسها عن مبرر فلسفي إن شئنا، ثم تقفز من الفلسفي إلى السياسي وما بينهما من براغماتية تحكي عن المصالح الدولية، وتعرف بالتمام والكمال أن كل المصالح الدولية الظافرة، لن تلقي بحمولاتها على مصالح شعوب منهوبة، أيّ كان المنتصر في هذه الحرب، فلن ينتصر على حسابها، وبالعودة إلى الفلسفة اليسارية، وكوميدياتها، يستعين بعض اليسار باتهامات بوتين لاكرانيا بأنها “فاشية”.
على الاغلب لم يكذب بووتين في وصفه لـ “بعض اوكرانيا”، ولكنه سيكذب كثيرًا إذا لم يعترف أنه ومن الجهة المقابلة “فاشي” أيضًا، فماذا عن اتهامات بوتين على أن أوكرانيا فاشية؟
من الأفضل أن نعكس السؤال ونوجهه إلى بوتين نفسه، كل من لديه أوهام بشأن بوتين، يجب أن يكون على العلم بأنّ (بوتين) قام بترقية إيفان إليين (Iwan Iljin)، وهو عالم لاهوت وسياسي روسي، إلى رتبة فيلسوف رسمي، الذي عارض، بعد طرده من الاتحاد السوفيتي على متن “سفينة الفيلسوف” الشهيرة في أوائل عشرينيات القرن الماضي، كلاً من البلشفية والليبرالية الغربية وتبنى نسخة خاصة به من الفاشية الروسية: الدولة كمجتمع عضوي يحكمه الملك الأب.
بالنسبة لإيليين، فإن النظام الاجتماعي يشبه الجسد الذي يملك فيه كل منا مكانه، والحرية تعني أن يعرف كل منّا مكانه. وبناء على ذلك، فإن الديمقراطية بالنسبة لإيليين هي عبارة عن طقس: “نحن نصوت فقط لنؤكد دعمنا الجماعي لقائدنا”. أليست هذه هي الطريقة التي أُجريت بها الانتخابات الروسية على مدى العقود القليلة الماضية؟
لا عجب أنه يتم الآن إعادة طباعة أعمال إيليين بشكل غزير في روسيا وتوزيعها مجاناً على أعضاء الدولة والمجندين.
يسير ألكسندر دوغين، فيلسوف بلاط بوتين، على خطى إيليين ويضيف فقط نوعاً ما بعد الحداثة للنسبية التاريخية: ” تُظهر ما بعد الحداثة أن أي حقيقة مزعومة هي مسألة إيمان. لذلك نحن نؤمن بما نقوم به، ونؤمن بما نقوله. وهذه هي الطريقة الوحيدة لتعريف الحقيقة. لذلك لدينا حقيقتنا الروسية الخاصة التي يجب عليكم قبولها. إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد بدء حرب، فعليكم أن تدركوا أن الولايات المتحدة لم تعد الحاكم الوحيد. ومع الوضع في سوريا وأوكرانيا، فإن روسيا تقول: “لا، أنتم لستم صاحب الأمر بعد الآن”.
واليوم، فاشية بمقابلة فاشية، ولحساب من؟
هذا هو السؤال
لحساب من سيحكم العالم.
فقط الحرب يمكن أن تقرر ذلك