لو انسحب الروس من سوريا واستفرد الإيرانيون بالبلد.. كيف حال البلد؟
ربما يكون الشاغل الأبرز للسوريين، سواء من جهة النظام، أو من خصومه، كما من الناس الذين عبثت بهم الحياة ولم يعبثوا بالسياسة، الشاغل كان:
ـ ما منعكسات الحرب الروسية الاكرانية على وجود روسيا في سوريا؟
بطبيعة الحال خصوم النظام ياملون هذا، أقله لقصقصة جناح من اجنحة النظام، وجماعة النظام يتخوفون من مثل هذا الاحتمال، وربما الاكثر تخوّفًا من بينهم هم “المضادون لإيران”، والذين يتخوفون من استفراد إيران بالسوريين، وبكل الحالات، لالجماعة النظام إجابة واثقة، ولا لخصومه مايتجاوز من المعلومات ماتمليه الرغبات.
ربما العلم سيكون عند “جهينة”، فلجهينة “الخبر اليقين” وليس ثمة من هو أقرب من الاستخبارات الإسرائيلية إلى بيوت الأسرار، سواء الروسية منها أو السورية، وحتى إلى الإيرانية، فالإسرائيليون لابد ويرصدون دبيب النملة في بلد مثل سوريا، وهكذا اشتغلت “يديعوت احرونوت” على الإجابة عن هذه القضية المقلقة والقلقة، ولهذا يكتب موشيه ماعوز، بعض من الحكاية السورية، بدءًا من بداياتها وصولاً للحظة التي قد تكون فارقة، ونعني “لحظة بقاء أو خروج الروس من البلد”.
فبعد أن بعثت روسيا إلى سوريا قوات جوية وغيرها في نهاية أيلول 2015 واستخدمتها بقبضة حديدية ضد أهداف مدنية، بما في ذلك المستشفيات، سيطر الأسد من جديد وظاهراً على 70 في المئة من سوريا. هكذا، معظم الأراضي السورية تخضع الآن لسيطرة روسيا، أساساً من خلال سلاح جوها – بينما إيران، و”حزب الله” وميليشيات شيعية أخرى تفرض سيطرة برية واسعة.
موسكو وطهران تتعاونان منذ سنين على استقرار نظام حاكم دمشق، لكنهما تتنافسان على تصميم نظامه السياسي، وعلى ذخائر الدولة الاقتصادية الهزيلة، وعلى قيادة الفرق المختارة للجيش السوري. إيران تتطلع وتعمل على منح طابع شيعي للنظام وضم سوريا إلى منظومتها الاستراتيجية – الهلال الشيعي – إلى جانب إيران ولبنان واليمن. أما روسيا فتفضل نظاماً علمانياً في سوريا، بمشاركة الأغلبية الإسلامية – السنية، وتسعى لرفع مستوى قاعدتها الجوية الجديدة ومعقلها البحري القديم في سوريا كي توسع نفوذها الاستراتيجي في المنطقة وتحيط من الجنوب تهديد الولايات المتحدة والناتو. ينبغي التقدير بأن بوتين سيواصل نقل قوات روسية من سوريا إلى أوكرانيا، لكنه لم يختر الانسحاب من سوريا، كما يقدر محللون آخرون. إضافة إلى ذلك، يبدو أن موسكو كفيلة بأن تعزز التعاون العسكري والسياسي مع طهران، التي تؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن جهة أخرى تقيد أو تمنع النشاط الجوي الإسرائيلي في سوريا، بعد أن تحفظت إسرائيل من الغزو. روسيا وإيران غير قادرتين على المساعدة في إعمار الاقتصاد المدمر في سوريا، وهو إنفاق يقدر بـ 30 مليار دولار. الصين غير مستعدة للمساعدة بمبالغ كبيرة، وكذا أيضاً الدول العربية الغنية، باستثناء قطر وربما الإمارات، طالما تواصل النفوذ الإيراني في دمشق. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرفضان الاستثمار في سوريا ذات نظام الأقلية الفاسد وغير الديمقراطي.
ثمة تقدير بأن بوتين سيواصل سيطرته في سوريا كدولة مرعية ضعيفة في ظل المناورة بين الولايات المتحدة وتركيا وإيران والدول العربية. قد يواصل تحقيق المصالح الاستراتيجية الروسية في هذه المنطقة والتي بدأت في القرن الـ 18. هكذا مثلاً بعثت القيصر كاترينا العظمى لأول مرة في 1872 إلى شرق البحر المتوسط أسطولاً حربياً هزم الأسطول التركي العثماني. بعد ذلك السيطرة على بيروت، وفي أعقاب ذلك نالت روسيا الرعاية على الطائفة المسيحية – الأرثوذكسية في سوريا الكبرى (بما في ذلك بلاد إسرائيل). وقع الاتحاد السوفياتي لأول مرة مع سوريا في 1956 على صفقة سلاح وساعدها عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً في الحروب ضد إسرائيل. في 1971 حصل الاتحاد السوفياتي من سوريا على امتياز طويل المدى لإقامة ميناء عسكري لطرطوس قرب اللاذقية، ومؤخراً أيضاً قاعدة جوية في حميميم قرب اللاذقية. قبل عدة أشهر، مددت روسيا مسار الطيران في حميميم كي تسمح بإقلاع وهبوط طائرات قصف ثقيلة تحمل سلاحاً ذرياً. السؤال المشوق والحرج هو: كيف سيؤثر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على مدى سيطرتها في سوريا.
مانشرته “يديعوت احرونوت” وهو ماورد في الأسطر السابقة، لم يجب، ما يعني أننا ابتدأنا بداية خاطئة حين اعتقدنا بأن الإسرائيليين هم جهينة التي “عندها الخبر اليقين”.
لا، لا الإسرائيليون ولا سواهم يعرفون الإجابة الدقيقة عن السؤال الاستهلالي، كل ماعلينا فعله هو أن ننتظر، فالعالم اليوم بات حمّال احتمالات اكثر من مجمل التاريخ العالمي.. كل ماعلينا قوله:
ـ ماذا لو استفرد الإيرانيون بسوريا؟
سيكون للكلام شانًا آخر.