اقتراع لسحب الثقة..ماكرون يبدأ بدفع ثمن خسارة الأغلبية المطلقة في البرلمان
مرصد مينا
قال تحالف الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد NUPES اليساري الفرنسي بزعامة جان لوك ميلا نشون إنه يخطط لطرح اقتراع لسحب الثقة من تجمع “أنسامبل” Ensemble، الذي يتزعمه الرئيس ايمانويل ماكرون. أن فشل الرئيس في الفوز بأغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية يوم أمس الأحد.
وقد فاز “أنسامبل” بـ 246 مقعدا، أي بأقل مما كان مطلوبا للأغلبية بـ 43 مقعدا، وكان إجماع منظمات الاقتراع الفرنسية الرئيسية على أن تحالف ماكرون ربما يستطيع أن يحقق ما يتراوح ما بين 255 و295 من مقاعد الجمعية البالغ عددها 577 مقعدا، لهذا جاء أداء “أنسامبل” أقل من أسوأ التوقعات
يعني ذلك أن فرنسا تواجه الآن احتمال أسابيع من المفاوضات لتشكيل ائتلاف جديد، أو حكومة أقلية، بل إن هناك احتمال لوجود برلمان “معلق” أو محظور بشكل دائم، مع عدم وجود أغلبية واضحة لأي مجموعة محتملة من القوى في الجمعية الوطنية الجديدة.
البرلمان الجديد، قطعاً، فريد من نوعه إذ نادراً ما فشل رئيس منتخب حديثاً في الحصول على أكثرية نيابية. وبالمقابل، فإن تحالف اليسار والبيئويين برئاسة المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون، حقق نجاحاً مهماً، ولكنه نسبي، نظراً لطموحات الأخير الذي أراد أن تكون الانتخابات التشريعية مطية لوصوله إلى رئاسة الحكومة.
ميلونشون بحصوله على ثاني أكبر عدد من النواب «من مائة وخمسين إلى ما فوق» فرض نفسه المعارض الأول للرئيس. وفي كلمة مطولة بعد الإعلان عن النتائج، شدد ميلونشون على أن تحالفه أسقط ماكرون عن عرشه بأن حرمه من الحصول على الأكثرية المطلقة، معتبراً أن نتائج الانتخابات تمثل اقتصاصاً منه ومن طريقة حكمه الفوقية.
وبفضل المجموعة النيابية اليسارية الكبرى التي ستدخل البرلمان، فإن معارضة شرسة سوف تنتظر الحكومة التي سيعيد ماكرون النظر بتركيبتها لأخذ الحقائق السياسية بعين الاعتبار، خصوصاً أن عدداً من الوزراء المرشحين سقطوا في الامتحان الانتخابي، وعليهم الاستقالة من الحكومة وفق التقليد المعمول به.
بيد أن الفائز الأكبر هو قطعاً حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن، إذ إنه قد حصل على 89 مقعداً، بحيث سيشكل القوة السياسية الثالثة في البلاد.
وما توفر له هو بلا شك إنجاز تاريخي، إذ لم يسبق لليمين المتطرف الفرنسي تحت مسمياته المختلفة أن دخل بهذه القوة إلى الندوة البرلمانية.
وفي تعليقها على نتائج الانتخابات، قالت لوبن، إن الكتلة البرلمانية الجديدة هي «الأكثر عدداً بفارق كبير في تاريخ عائلتنا السياسية». ولا شك أن هذه النتائج ستمكن لوبن من العودة بقوة إلى الواجهة السياسية بعد الهزيمة الرئاسية الثانية التي منيت بها بوجه ماكرون بحصولها على 42 بالمئة من الأصوات. وفي البرلمان الأسبق، لم يكن لحزب لوبن سوى سبعة نواب. وطيلة الأسابيع الماضية، توقعت لها استطلاعات الرأي أن تتمكن من النجاح في تشكيل مجموعة نيابية مستقلة (المطلوب 15 نائباً). والحال أن ما حصلت عليه يجعلها القوة السياسية والنيابية الثالثة على مستوى البلاد.
الصيغة الجديدة للبرلمان ستجعل عمل حكومات عهد ماكرون الثاني بالغة الصعوبة لاضطراره البحث دوماً عن حلفاء من أجل توفير الأكثرية الضرورية للتصويت على مشاريع القوانين.
ويبدو البرلمان الجديد عصياً على القيادة بسبب وجود قوى متنافرة ومعارضة يمينية ويسارية مستشرسة وساعية لتحييد عمل ماكرون، الذي فشل العديد من المقربين منه في الفوز، منهم رئيس البرلمان ريشار فيران ورئيس حزبه ستانيسلاس غيريني وثلاثة من وزرائه المقربين.
ولأن صيغة البرلمان الجديد هي على هذا النحو، فإن ماكرون سيكون مضطراً للتقارب مع نواب اليمين الذين يمثلون حزب «الجمهوريون» الذين حصل على 61 مقعداً. ومنذ هذا المساء، بدأت الرسائل الضمنية توجه لفريق ماكرون من أجل بلورة ورقة عمل مشتركة للعمل الحكومي المقبل. لكن انقسامات عميقة تعتمل هذا الحزب الذي خسر مكانته السابقة، كما خسر العديد من قادته الذين التحقوا بـماكرون، آخرهم رئيس مجموعتهم النيابية في البرلمان داميان آباد، الذي كافأه ماكرون بتعيينه وزيراً.
منذ الأمس، دخلت فرنسا منعطفاً سياسياً جديداً عنوانه المشاحنات والنزاعات السياسية الدائمة، فيما التحديات التي تواجهها في الداخل والخارج تتطلب من رئيسها وحكومتها ونوابه العمل يداً بيد، لمواجهة تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا وغلاء المعيشة والتضخم وتناقص القدرة الشرائية، خصوصاً للشرائح الأكثر هشاشة، وتجنب اندلاع حركات احتجاجية على غرار ما عرفته البلاد مع «السترات الصفراء».
في السياق نفسه قالت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بأنّ نتائج الانتخابات البرلمانيّة التي فشِلت في منح الغالبيّة لأيّ حزب، تُشكّل خطرًا على البلاد، لكنّها تعهّدت أن يسعى حزب ماكرون لبناء تحالفات فورًا.
وأضافت “هذا الوضع يُشكّل خطرًا على البلاد، نظرًا إلى التحديات التي علينا مواجهتها”، مضيفة “سنعمل اعتبارًا من الغد على بناء غالبيّة” قادرة على العمل. من جهته، أقرّ الوزير غابريال آتال بأنّ النتائج “بعيدة عمّا كنّا نأمله”. وقال عبر قناة “تي إف 1″، “إنّ ما يرتسم هو وضع غير مسبوق في الحياة السياسيّة والبرلمانيّة سيُجبرنا على تجاوز ثوابتنا وانقساماتنا”.
يشار أن قسم واسع من الفرنسيّين امتنع عن المشاركة في الاقتراع الرابع في شهرين منذ الانتخابات الرئاسيّة والذي جرى يم أمس، لاسيّما مع موجة الحرارة غير المسبوقة التي تضرب البلاد.
هذه الانتخابات اختتمت مشهدًا انتخابيًا طويلًا من شأنه أن يؤكّد إعادة التشكيل الواسعة للمشهد السياسي في فرنسا حول ثلاث كتل كبرى على حساب الأحزاب التقليديّة اليمينيّة واليساريّة، وهو تحوّل بدأ مع انتخاب ماكرون رئيسًا عام 2017. وجاءت الانتخابات في سياق أزمات متتالية، من جائحة كوفيد-19 إلى الحرب في أوكرانيا وارتفاع التضخّم والمخاطر الاقتصاديّة.