وقد باتت “كندرة” المرأة مثيرة.. إلى أين وصل الحال بحرّاس الفضيلة؟
ليس مقعدًا في حافلة مادفع روزا باركس، الخيّاطة الأمريكية السوداء لإطلاق شرارة ثورة السود.. إنه مقعد التاريخ.
يوم طلب منها الرجل الأبيض أن تخلي مقعدها في الحافلة لنقلها إلى المقاعد المخصصة للسود، كانت صرختها إيذانًا بزمن جديد، زمن للسود في مكانتهم وقبضاتهم وأشعارهم وموسيقاهم وملاكمهم العظيم محمد علي كلاي.
الثورات تبدأ بصرخة امرأة.. ومن بعدها تُستَولّد الأصوات.
صرخة المرأة ولاّدة التاريخ.
هو الأمر كذلك، واليوم تأتي الصرخة من إيران، وكانت الصرخة قد انطلقت عقب مقتل مهسا أميني الفتاة الإيرانية على يد “دوريات الإرشاد”، التي تقوم بها هذه الشرطة التي تعرف بـ “غشتي إرشاد” ومهمتها “ضمان احترام الأخلاق الإسلامية واحتجاز النساء اللواتي يُنظر إليهن على أنهن يرتدين ملابس “غير لائقة”.
ـ أخلاق الإسلام؟ّ
في مقابلة نادرة، تحدث أحد عناصر هذه القوة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن تجربته في العمل في هذه القوة دون الكشف عن هويته.
وقال: “قالوا لنا أن سبب عملنا في وحدات شرطة الأخلاق هو حماية النساء، لأنهن إذا لم يرتدين الملابس المناسبة، فقد يستفز ذلك الرجال ويعتدون عليهن”.
قال إنهم عملوا في فرق مكونة من ستة أفراد، أربعة رجال وامرأتين، ويتركز نشاطهم على المناطق التي تزدحم بالسيارات والأماكن المكتظة بالناس.
“إنه أمر غريب، لأننا إذا أردنا توجيه الناس فقط، فلماذا نختار مكاناً مزدحماً، هذا يعني أنه من المحتمل أن نعتقل المزيد من الأشخاص؟”.
“يبدو الأمر كما لو أننا ذاهبون للصيد”. وأضاف العنصر أن قائده سيقول له إنه لا يعمل كما يجب إذا لم يأت بأسماء عدد كاف من الأشخاص المخالفين لقواعد اللباس، وأنه وجد صعوبة خاصة عندما قاوم الناس الاعتقال”.
“إنهم يتوقعون منا أن نجبرهم على ركوب سيارة الدورية، هل تعرف كم مرة كنت على وشك البكاء أثناء القيام بذلك؟”.
“أريد أن أقول للناس إنني لست واحداً منهم. معظمنا جنود عاديون نؤدي خدمتنا العسكرية الإلزامية. أشعر بمرارة شديدة”.
بدأت محاربة السلطات الإيرانية لفرض ارتداء الحجاب أو غيره من الملابس الإلزامية بشكل غير صحيح، بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979 وكان هدف حملة السلطة الجديدة جعل النساء يرتدين ملابس محتشمة حسب رأيها.
ورغم أن العديد من النساء كن ملتزمات بذلك وقتذاك، لكن لم تكن التنانير القصيرة والشعر المكشوف من المشاهد غير المألوفة في شوارع طهران قبل الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، الذي كانت زوجته فرح بهلوي تعتبر مثالاً للمرأة العصرية، حيث كانت غالباً ترتدي ملابس غربية.
استمرت الاحتجاجات المناهضة للحجاب التي اندلعت في إيران في مارس 1979 لعدة أيام.
في غضون أشهر من تأسيس الجمهورية الإسلامية، بدأت الحكومة الإسلامية الجديدة بإلغاء قوانين حماية حقوق المرأة التي وُضعت في عهد الشاه.
“لم يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، لقد كانت عملية تدريجية”، حسبما تقول مهرانغيز كار، 78 عاماً، المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، وساعدت في تنظيم أول احتجاج مناهض للحجاب.
وأضافت: “بعد الثورة مباشرة، انتشر بعض الرجال والنساء في الشوارع وبدأوا بتقديم الحجاب ملفوفاً بورق هدايا مجاناً للنساء”.
في عام 1980 ، لوحت النساء بحجاباتهن في الهواء لإظهار رفضهن في مظاهرة في طهران.
في السابع من مارس/آذار 1979 ، أصدر زعيم الثورة آية الله الخميني، مرسوماً يقضي بفرض الحجاب على جميع النساء في أماكن العمل، معتبراً النساء غير المحجبات “عاريات”.
وتقول كار، التي تقيم الآن في واشنطن العاصمة: “استقبل العديد من أنصار الثورة هذا الخطاب كأمر بفرض الحجاب على النساء”. “اعتقد الكثيرون أن هذا سيحدث بين ليلة وضحاها، لذلك بدأت النساء في المقاومة”.
كانت هناك استجابة فورية. في اليوم التالي والذي صادف يوم العالمي للمرأة، تجمع أكثر من 100 ألف شخص، معظمهم من النساء، في شوارع طهران احتجاجاً على المرسوم.
على الرغم من مرسوم آية الله الخميني، فقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لتقرر السلطات الملابس “المناسبة” للنساء.
أوضحت كار قائلة: “لم تكن هناك تعليمات واضحة، لذلك جاؤوا بملصقات ولافتات ونماذج عرضت وعلقت على جدران المكاتب، تقضي بضرورة اتباع النساء لهذه التعليمات فيما يتعلق بارتداء الحجاب، وإلا فلن يتمكنّ من الدخول”.
تقارير وازنة تفيد بأن ضباط شرطة “غشتي إرشاد” هم الاكثر تحرشًا بالنساء لفظيا وجسديا.
امرأة من مدينة أصفهان في وسط البلاد تقول: “تم توقيفنا واحتجازنا أنا وابنتي لأننا كنا نضع أحمر الشفاه”.
“أخذونا إلى مركز الشرطة وطلبوا من زوجي أن يأتي ويوقع على ورقة يؤكد فيها أنه لن يسمح لنا بالخروج بدون حجاب”.
وقالت امرأة أخرى، من طهران، إن ضابطة اعتقلتها بزعم أن حذاءها “مثير جنسياً” للرجال.
وأضافت: “اتصلت بزوجي وطلبت منه إحضار زوج من الأحذية لي”.
ثم وقعت على ورقة تقر بأنني كنت أرتدي ملابس غير لائقة وبتت صاحبة سجل إجرامي.
وقد بات حذاء المرأة يمثل “إثارة جنسية”، إلى أي منحدر وصل الأمر بحرّاس الفضيلة؟ الفضيلة التي يقوّضها حذاء؟