أن تصفع الرئيس
قد يشتهي مواطن ما، في دولة ما، صفع رئيس دولته، وهذا حق قد لاتشرّعنه القوانين، ولكن الطبيعة قد تقود إليه، فللشارع محاكمه أيضّا، محاكم ربما تقود لتنفيس احتقان ربما الحرمان منه قاد الكثير من شعوب الأرض إلى الثورات، وربما إلى الفوضى، وفي الكثير من الحالات إلى الحروب الأهلية.
البلدان الديمقراطية ادركت المعادلة، لا لأنها رحيمة ولا لأن زعاماتها يستمرؤون الصفع، بل لأن صفعة من مواطن لرئيس، قد تحول دون إضرام النار بالمواطن والرئيس معاً، وقد رأيناها على شاشات التلفزة.
الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) نزل ليتجول في منطقة دروم جنوب شرقي فرنسا، استقبله جزء من أهل المنطقة ليتفاجأ بشاب (28 عاماً) يصفعه وهو يردد “تسقط الماكرونية” و”مونتجوي سانت دينيس”، والأخيرة صرخة رددتها الجيوش الفرنسية عندما كانت البلاد لا تزال ملكية.
شاب آخر قام بتصويره، وخلال ثوانٍ قليلة، هجمت الحاشية الأمنية على الشاب من ناحية، وعلى الرئيس لحمايته من ناحية أخرى، فكانت صفعةً قوية من شاب رياضي يدير نادياً لعشّاق الألعاب القتالية وفنون المبارزة بالسيوف.
أراد (ماكرون) جس نبض البلاد بعد جائحة كورونا، وقبل عام واحد من الانتخابات الرئاسية، فكان جس نبضٍ علني لشعبيته، واعتُبر الحادث فردياً، وقال (ماكرون) أنه لا يمكن أن يكون هنالك عنف أو كراهية في لغة الخطاب أو الأفعال، وإلا ستكون الديمقراطية ذاتها هي المهددة، واستمر في مصافحة الناس بعد الصفعة، علماً أنها ليست الحادثة الأولى التي يواجهها ماكرون.
قبل الصفعة هذه كان (ماكرون) قد تلقى بيضةً على رأسه ألقاها مزارع خلال زيارته معرض الزراعة السنوي في باريس عام 2018، وواجه العديد من محتجي السترات الصفراء أثناء تنزهه في حديقة تويلوري قرب متحف اللوفر مرددين عبارة “استقيل يا ماكرون”.
لرؤساء فرنسا صفحات طويلة من كتاب المواقف المهينة مع الشعب، فتعرّض الرئيس السابق (فرانسوا أولاند) إلى هجوم بالدقيق خلال رحلة إلى مؤسسة آبي بيير في باريس، بينما تلقى (نيكولا ساركوزي) هو الآخر رشقة بالبيض، ولكن هذه المرة في آيرلندا، ورشقات أخرى من البيض في مدينة بايون جنوب غرب فرنسا، فلم يجد أمامه في الحالة الأخيرة سوى الاختباء داخل مقهى تحت حماية شرطة مكافحة الشغب.
لم تكن فرنسا وحدها صاحبة هذه المشاهد: إذ يبدو أن المواطنين عموماً يتشاطرون الرغبة الجامحة في قذف قادتهم، كالمستشار الألماني السابق (هيلموت كول) الذي قام متظاهرون برشقه بالبيض عام 1991 في مدينه هاله، ونفس الحادثة أصابت السيناتور (فرايزر مانينج) بعد تصريحاته ضد المسلمين، فتلقى بيضةً استرالية من مراهق على الهواء مباشرةً، ورئيس الحكومة الإيطالي السابق (سيلفيو برلسكوني) الذي أصابته قطعة حديدية من مواطن أدت لكسر في مختلف أنحاء وجهه.
قد تكون الحادثة الأشهر في العصر الحديث من نصيب الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الابن) الذي قُذِف بحذاء الصحافي العراقي منتظر الزيدي عام 2008 أثناء انعقاد مؤتمر صحافي في بغداد، حينها سخر (بوش) من الموقف بتصريحه أن قياس الحذاء كان 43
لم تسلم (هيلاري كلينتون)، وزيرة الخارجية السابقة، من حوادث مشابهة، وتلقت حذاءً على وجهها من سيدة خلال مشاركتها في مؤتمر بمدينة لاس فيغاس.
رئيس وزراء باكستان السابق (نواز شريف) الذي واجه صفعةً بالحذاء في لاهور عام 2018، وكذلك الرئيس التركي (رجب طيب إردوغان) الذي صُفِع أيضًا بالحذاء في إسبانيا عام 2010 من مواطنٍ كردي.
في العام نفسه، تعرض (طوني بلير) رئيس الوزراء البريطاني الأسبق إلى الرشق بالحذاء في دبلن.
كل هذه الصفعات، لم تؤد إلى التقليل من هيبة الرئيس، ولامن قيمة دولته.. كل مافي الأمر أنها حالت دون الانفجار الكبير الذي قد يودي بالرئيس وبالدولة معًا، ولنا من الرؤساء الذين لم يصُفعوا مثلاً، وعنوان المثل:
ما الذي تبقّى منهم ومن دولهم؟
هل نسأل الليبيين والقذافي، أم نسأل صدام حسين، وبرسم من سيكون سؤال المستقبل؟