مسؤول إسرائيلي يروي تفاصيل اكتشاف المفاعل النووي السوري.. ما هو دور القذافي؟
مرصد مينا
كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الاسرائيلية عن السر في اكتشاف المفاعل النووي السوري “الكبر” الذي دمرته إسرائيل في العام 2007. وفي التفاصيل ذكرت الصحيفة أن رئيس قسم المخابرات العسكرية بالموساد سابقا، أمنون صفرين، أخبر رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الوقت إيهود أولمرت واخبره بذلك.
صفرين، كشف عن ملابسات الاكتشاف، مشيرا إلى أنه عندما أعلن الأميركيون والبريطانيون، في ديسمبر 2003، أنه بعد عدة أشهر من المفاوضات، تمكنوا من إقناع الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، بالتخلي عن خططه للأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات، أدركت إسرائيل أنها كانت مستبعدة من العملية وأنها اكتشفت ذلك متأخرا مثل البقية، بحسب صفرين.
اتضح أن المشروع النووي الليبي كان في مرحلة متقدمة جدا، وكان الشخص الذي يقف وراء المشروع هو عالم الفيزياء الباكستاني، عبد القادر خان، الذي كان يبيع خبرته النووية لأي شخص يريدها، وكان من المعروف حتى ذلك الوقت، أن دولتين على الأقل اشتريتا خدمات خان، هما إيران وليبيا.
وقال صفرين: “بالإعلان الأميركي، أدركنا أن الباكستانيين متورطون بشدة في ليبيا، وبدأنا البحث عن اسم خان الذي سلم المشروع النووي لليبيا، حيث قام بتوزيع أجهزة الطرد المركزي والمرافق في جميع أنحاء ليبيا”، مضيفا بحسب “يديعوت أحرنوت” “نظرت إلى البيانات وقلت لنفسي إذا كان الدكتور خان هو مدير المشروع، فلنر أين كان في الشرق الأوسط”.
بعد فحص سريع للغاية، بدا واضحا أن خان زار ثلاث دول، هي مصر والسعودية وسوريا، “استبعدت القاهرة والرياض، بسبب اعتمادهم على الولايات المتحدة وخشيتهم منها”.
في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وصلت معلومات معينة إلى إسرائيل من طرف ثالث حول الأنشطة السورية المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي النووية، لكنها لم تكن كافية لإطلاق عملية استخباراتية.
يقول صفرين: “عندما جاء الإعلان عن مشروع نووي في ليبيا وعلمت أن خان زار سوريا، شعرت بالقلق على الفور، خاصة مع المعلومات الأولية التي كانت لدينا عن نشاط نووي في سوريا”. بعد شهر ونصف من العمل، عاد الإسرائيليون باستنتاج واضح، هو أن السوريين يبنون قدرات نووية.
في فبراير 2004، أصدر الموساد أول تحذير حول احتمال وجود مشروع نووي في سوريا. وبحسب صفرين، فإن وثيقة الموساد “أشارت بوضوح” إلى نشاط مشبوه على أساس التجربة الليبية وتورط العالم الباكستاني.
مباشرة بعد استنتاجات فرق المخابرات العسكرية، أطلع، صفرين رئيس الموساد في ذلك الوقت، مئير داغان بها ووضعه أمام الصورة الكاملة، فقرر ونائبه تامر باردو، إعداد خطة أنشطة لكشف ما يحدث في سوريا.
بحسب موقع الحرة انصب التركيز على البحث عن مواقع التخصيب وطرق الإمداد، وآثار أجزاء أجهزة الطرد المركزي، وأضاف “تخصص خان في طريقة التخصيب عن طريق أجهزة الطرد المركزي، وكان الافتراض العملي هو أن سوريا تتبع نفس المسار، وهو تقييم ثبت لاحقا أنه خاطئ”.
يقول صفرين: “في نهاية عام 2006، بدأنا في تكوين فكرة حول وجود عدة أماكن بها نشاط مشبوه. في هذه المرحلة، لم نتمكن من تحديد ما هو موجود في كل مكان، كنا نريد اكتشاف المفاعل النووي الذي لا تعلم إسرائيل بشأنه”. وبينما كان البحث عميقا من قبل الموساد، حدثت نقطة تحول خلال إحدى المناقشات الدورية حول الأمر مع المخابرات العسكرية.
قال صفرين: “أخبرني ضابط شاب، أنه ربما أخطأنا في الافتراض الرئيسي، بأن السوريين لديهم أجهزة طرد مركزي، وأنهم ربما بدلا من ذلك لديهم مفاعل بلوتونيوم”.
يتم التخصيب في مفاعل البلوتونيوم عن طريق انشطار قضبان معدنية يتم إدخالها في قلب المفاعل. لهذا الغرض، يلزم إنشاء مفاعل بغطاء من الرصاص والخرسانة حوله لمنع التسرب، كما أنه على عكس أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي يمكن نشرها في أي مكان، يُبنى هذا المفاعل بالقرب من مصدر للمياه للسماح بتبريده المستمر.
رئيس جهاز الموساد السابق قال: “قادنا هذا التعليق إلى إعادة التفكير في سياق العملية الاستخباراتية، لأنه إذا كان مفاعل بلوتوجيني، فهو لا يتوافق مع المعرفة الباكستانية، بل إلى معرفة كوريا الشمالية”.
وأضاف “بعد ذلك بوقت قصير، اكتشفنا نشاطا متزايدا للكوريين الشماليين في سوريا. لقد أصبحنا على علم بهذا النشاط كجزء من مساعدة بيونغ يانغ في إنشاء خطوط إنتاج لصواريخ سكود دي السورية. ثم أدركنا أن هناك المزيد من الكوريين”.
ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة “ذا نيويوركر”، والذي لم تنكره إسرائيل أبدا، فقد تتبع عملاء الموساد رئيس وكالة الطاقة الذرية السورية، إبراهيم عثمان، الذي وصل لحضور الاجتماع السنوي للمحافظين في مقر وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في فيينا. وفقا للتحقيق، اقتحم موظفو الموساد غرفته بالفندق واستنسخوا جهاز الكمبيوتر الخاص به وغادروا دون أن يتركوا أثرا.
يقول صفرين: “في هذه المرحلة كنا بالفعل متأكدين تماما، أن النشاط النووي السوري مولّدا للبلوتوجين وليس بالطرد المركزي، فبدأنا في تحديد المناطق المشبوهة لبناء مفاعل”، وأضاف: “حددنا موقع المبنى في دير الزور كواحد منهم، لكننا لم نكن نعرف ما بداخله”.
وأوضح: “رأينا العديد من العلامات المشبوهة، منطقة معزولة بالقرب من نهر الفرات، وخط أنابيب مع محطة ضخ. بالنظر إلى كل هذه العناصر، فهمت أن شيئا ما يختمر هناك، لكننا ما زلنا نفتقر إلى دليل ذهبي”.
وصلت عملية فك شفرة جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بعثمان من قبل المخابرات العسكرية إلى قسم الأسلحة غير التقليدية في الموساد ليلة الأربعاء، فحلل خبراء الموساد المواد لساعات ودهشوا.
لم تترك الصور مجالا للشك، بأن هناك مفاعل بلوتوجيني سوريا، بل أنه كان جاهزا للتشغيل، بما في ذلك القلب وأنظمة التبريد وأنابيب مدخل ومخرج المياه.
في صباح اليوم التالي، اتخذ القرار بإبلاغ المستويات السياسية العليا، وفقا لصفرين.
وقال صفرين: “دخلت الغرفة التي كان يجلس فيها أولمرت وداغان، وقلت لرئيس الوزراء: هل تتذكر ما قدمناه بشأن الملف النووي السوري؟ أزيلت علامات الاستفهام”، مشيرا إلى أن أولمرت استمع بتركيز شديد، “ثم سأل: ‘ماذا سنفعل بهذه المعلومات؟’، فأجبت أنا وداغان تلقائيا: ‘نزيلها'”. وعلى الفور، بدأت عدة فرق الاستعداد لضربة جوية مع مراقبة دقيقة لما يحدث في هذا المفاعل السوري.
أمنون صفرين أردف أن إسرائيل دخلت في تلك المرحلة في سباق مع الزمن خشية أن تكون شحنة البلوتونيوم موجودة بالفعل في سوريا وأن المفاعل سيتم تشغيله، مشيرا إلى أنه “إذا كان الأمر كذلك، فإن أي هجوم عليه سيعني انفجارا نوويا لا يمكن السيطرة عليه”.
وأضاف أن أولمرت طلب من الأميركيين مهاجمة الموقع، لكن جورج دبليو بوش رفض، “أنهى أولمرت المكالمة بأن إسرائيل ستفعل ما عليها أن تفعله”. إلى جانب الجهود الاستخباراتية والعملياتية، افترضت إسرائيل أن يبدأ الأسد حربا بعد قصف المفاعل.
وفي محادثات أولمرت مع بوش، طلبت إسرائيل أسلحة فريدة وبكميات كبيرة، فوافقت الإدارة الأميركية على الفور.
وفي ما أطلق عليه عملية “خارج الصندوق”، قصف الجيش الإسرائيلي في السادس من سبتمبر 2007 المفاعل السوري ودمر الموقع.
يرى صفرين أن المشروع النووي السوري لم يبدأ في عهد بشار الأسد ولكن مع والده حافظ، “ربما في منتصف الثمانينيات”. وبينما كان الأسد الأكبر يكرر عبارة “التوازن الاستراتيجي” كثيرا في هذه الفترة، فإن إسرائيل كانت تعتقد أنه يتحدث عن تعزيز كبير لقدرته العسكرية التقليدية.
“طرح الأسد الابن نفس العبارة”، يقول صفرين: “اعتقدنا أنه يردد صدى والده، لكن أدركنا لاحقا أنه كان يقصد امتلاك أسلحة نووية”.