أيها السادة أنتم مطرودون من التاريخ
هو عالم اضطراب القيم، يغادر قيم الأمس دون أن يتسنّى له رسم قيم اليوم، يعني عالم غادر مكانه دون أن يصل إلى أي مكان.
مجتمع “الميم” يكافح من أجل علمه بألوان قوس قزح، يعانده مجتمع “البطريكي” الذي لن يتقبله.
النظام العالمي أحادي القطب، يشتغل على إحلال نفسه مكان أي عالم قديم، ثنائي أو متعدد الأقطاب، يواجهه عالم يشتغل على أزاحته، وليست الحرب الأوكرانية الروسية سوى واحدة من تجلياته الدموية، وواحدة من وسائل إيضاحه وبروفا عما سيشهده العالم الجديد.
فلاسفة يظهرون هنا وهناك، وعلى طرفي هذا العالم، ليأتي الكسندر دوغين ويقف بالمواجهة المباشرة مع فلسفة نهاية التاريخ تلك التي سوّق لها فوكوياما.
حروب مؤجلة، وحروب ماثلة، ومابينهما يصعد اليمين الأوروبي الذي انتصر في ايطاليا وقارب على الانتصار في فرنسا، وقد لاتكون المسافة مابين الرايخ الألماني وبينه مسافة طويلة.
والعالم يتغير، وليس أمرًا بعيدًا أن تتفكك الوحدة الأوربية لحساب “الغاز” والبحث عن مصدر لللتدفئة.
وحدهم القابعون خارج التحولات هم العرب، فإذا ماحدثت تحوّلات في بلادهم فالتحوّلات يحدثها الآخر وليس من بنات أفكارهم.. ما من فيلسوف بمستوى فوكوياما، ولا آخر ببداهة وحضور االكسندر دوغين.
عرب الفيس بوك والاسخلاصات السريعة، وهم عرب النفط والغاز والثروات الدفينة والتاريخ الممتلئ بالآثام والمعاصي، وحدهم يقفون على حافة التاريخ، لايدخلون مركزه وليس مسموح لهم البقاء على هامشة، وكل ماعليهم هو الحيرة.
ـ حيرة في الخيارات: روسي أم صيني أم امريكاني.
ـ حيرة في الحرب على إسرائيل او التطبيع معها.
ـ حيرة في الخيار الديمقراطي أم في استخدام الغاز المسيل للدماء والدموع.
وحيرة ما بين موقفهم من اللحظة وموقفهم من التاريخ أو موقف التاريخ منهم.
عرب حائرون، محكومون بردات الفعل، وليس بينهم لا جوزيف ستالين صاحب القبضة الفولاذية ولا ونستون تشرشل بعقله الساخن وقلبه البارد وسيجاره المعهود.
ليس بينهم المهاتما غاندي بفلسفة الملح، ولا مانديلا بفلسفة الكفاح الذي يعقبه التسامح، وليس فيهم جيفارا واحد يدخل الغابة ويخرج قتيلاً.
هي حيرة خيارات لمن لم يؤسس ولو لمرة واحدة لخياراته، ليس هذا مايحدث للهند، فالهنود في طريقهم إلى الصعود، الصعود الهادئ الذي لايشوبه الغضب ولا الصراخ، والصينيون يصعدون بدءًا من سرقتهم لحذاء اديداز وصولاً لتصديرهم أدواتك المنزلية بما لايجعل بيتًا في هذا العالم يخلو من بضاعة صينية، والأفارقة عرفوا طريقهم، عرفوه بعد حقول من الدماء وصراعات بالمناجل والسكاكين وصولاً لدخولهم التاريخ اليوم.. دخولهم وقد خلّفوا من أبنائهم الأفارقة الأمريكان باراك حسين اوباما، وثانية عبر النائبة كامالا ديفي هاريس، وبلا أدنى شك فقد باتت موسيقى البلوز والطبول في صدارة موسيقى الشعوب بعد أن كانت قاصرة على الغابة.
وحدهم العرب، لايعرفون طريقهم، ويتلذذون بضياع الطريق حتى أن بلدًا من مثل لبنان مازال يراوح مابين الطائفة والطائفة بل يراوح ما بين مذهب في طائفة وآخر.
العصر يتغير، يغادر أمسه دون أن يقع في عصر بديل، أو ينهض على عصر بديل.
وحدهم العرب لاينتظرون زمنًا، ولا يغادرون زمنًا.
إنهم كما البرغي، يدورون في مكانهم، بفارق أنهم لايحدثون ثقبًا في الجدار كما يفعل البرغي.
ليس كثيرًا علىى التاريخ أن ينبئهم:
ـ أيها االسادة أنتم مطرودون من التاريخ.