فخامة الرئيس
البلد الوحيد من بين بلدان العالم اليوم بلا رئيس هو لبنان، وقد يذهب الكثيرون للتساؤل:
ـ ماهي مهنة رئيس.
في بلد مثل سوريا، مهنة الرئيس فتح بلده لمجموعة من الاحتلالات، مهنتها الإبقاء عليه، ومن بعده البحث عن مصالحها في ظل تنافس قتّال على شرقي المتوسط.
وفي بلد مثل إيران ستكون مهنة الرئيس الإصغاء إلى المرشد، ونيل رضاه فرضى المرشد من رضى الله وعلى قوّات الباسيج إطلاق النار على المتظاهرين فتلك مهمة حراس الله.
أما في بلدان من مثل فرنسا فعلى الرئيس تخطي الازمات الدولية الكبرى مثل “كورونا” والاشتغال على إطفاء الحرب الروسية الأوكرانية بالحد الأدنى من التعاطف مع الاوكران، والحد الأدنى من مجابهة الروس، وحين نسأل ماهي وظيفة الرئيس التركي فبلا ادنى شك ستكون مهنته الإجهاز على الكرد، مرة في جبال قنديل وثانية كرد سوريا.
ماسبق يعني فيما يعنيه أن مهنة الرئيس تتخطى أيّة مهنة أخرى في وظيفتها واحتمالاتها، وعلى الدوام اختارت البشرية هذا الترتيب الهرمي لإدارة حياتها، حتى القبائل البدائية وكذلك في عالم الحيوان، فثمة قائد حيوانات وثمة شعوب تمشي وراءه، وقد تكون البونابرتية هي اعلى رتبة في ذلك التسلسل الهرمي ، وكانت التسمية قد عادت إلى الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي غزا العالم منتصرًا حتى هزمته ثلوج سيبيريا ومن بعدها انتهى منفيًا في جزيرة هيلانة.
يعني مهنة رئيس هي المهنة التي تلحّ على البشرية متخطية كل المهن السابقة عليها بما فيها مهنة نسّاج ونجّار وحدّاد وصانع توابيت.
اليوم لبنان وحده بلا رئيس، ومع ذلك فالبلد يدير نفسه، ولمن يقول ان الحياة معطّلة فيه، عليه مراجعة مساحات الليل وأنديته فالبلد يرقص، ويتعشى، ويسهر حتى طلوع الفجر، فيما أكثر من ثلثيه يبحث عن رغيف أو علبة دواء.
سبع جلسات للبرلمان، وكل جلسة تستنسخ الأخرى والمحصلة:
ـ لا رئيس.
صهر الرئيس السابق، يطمح ليكون رئيسًا، ولا أحد يقبل به بمن فيهم جماعة عمه والد زوجته، ولكن الصهر العاجز أن يكون رئيسًا مازال قادرًا أن يعطّل الرئاسة.
ـ قائد الجيش المشهود بكفاءته، مدعوم من الأمريكان، ومحظور من القوى والأحزاب اللبنانية وقد اختبرت العسكر حين يغادرون ثكناتهم ويأخذون طريقهم إلى “بعبدا”.
ـ سليمان فرنجية نصف مطلوب من حزب الله، ونصف مطلوب من الفرنسيين، ونصف مسكوت عنه من الامريكان، أما جاره بشار الأسد فلا حول له ولاطول في بلده فكيف سيكون حاله مع البلد الجار وكيف سيدعم صديق العائلة الحميم؟
أما ميشيل معوض فقد توقف عند الـ 45 صوتًا من أصوات البرلمان ويلزمه ليستكمل الطريق من حامل لقب “حضرة السيناتور” إلى لقب “فخامة الرئيس” 25 صوتًا لن يحصّلها مادام في لبنان تحالف امل / حزب الله.
وسيبقى البلد بلا رئيس ربما بانتظار حرب تستولد رئيسًا، أو “طائف” آخر يغيّر في دستور البلاد فيزيح ويستحضر، ويعيد ترتيب ما فرفطته الأيام، وسيكون هذا مستبعدًا حتى اللحظة فللطائف أهله ومحازبيه.
وبعد؟
هاتوا وصاية وخذوا بلدًا ورئيسًا، فأحوال بلد اسمه لبنان، لم تستقم يومًا خارج الوصايات، مرة فرنسية وثانية إسرائيلية وثالثة من الجار السوري وقد حكمها بالحديد والنار، وفي زحمة الأوصياء، لم يتبق سوى أن يعثر الأوصياء على وصي من بينهم يحمّلونه مسؤولية العثور على رئيس للبنان.
أوصياء كلما زاد عددهم قلّ شأنهم، أبرزهم اليوم:
ـ امريكاني او إيراني.
وعلى الأوصياء التفاهم فيما بينهم وعند ذلك سيكون للبنان رئيسًا.
رئيسًا يشتغل عند وصي.. مهمته الوحيدة إرضاء الوصي، ومن ثم سيأتي من يخاطبه بالقول:
ـ فخامة الرئيس.