fbpx

لا وداع لذاك الجحيم

مرصد مينا

بلا رئيس، ولا وزارة، وبمؤسسات متعطلة وازمات تصل إلى ما دون خط الفقر يعيش لبنان، فيما امراءه يقتتلون على مغانم الفساد ومن بعدها يستسلمون لدولة حلّت مكان الدولة اسمها “حزب الله”، وحين يخطون خطوة إلى الأمام يتابعون السير خطوات إلى الوراء فيتنازع الرئاسة مرشحو المؤقت بانتظار حلّ إلهي يأتيهم من فرنسا، وإن لم يكن فمن المملكة، وإذا ما استعصت الحلول على المملكة يعودون إلى الزواريب، والبلد على حافة الحرب والناس بلا ملجأ ولا احتياطي طحين.

هو الأمر كذلك، فالبلد المُصاغة من “سايكس / بيكو”، لم تُصّمم يوماً لتكون دولة، وثمة مسافة ما بين الدولة والوظيفة، الدولة والدور، واللبنانيون لعبوها منذ أول نشيد لاستقلالهم فتخاطفتهم المحاور بدءاً من حلف بغداد إلى لحظات التسويات، وما بين الأول والثاني يدخل السوري مُحتَلاً لتتحول “عنجر” إلى “باب عال” يورثه غازي كنعان لرستم غزالة، وحين يرحلان تترحّل الحلول كما لو أن البلد لا يكون بلداً سوى بالسياط.

سنة وأكثر على نهاية ولاية الجنرال ميشال عون، وسنة وقد تعقبها سنوات والفراغ هو الرئيس، والمقتتلون لا يخطون ثمة خطوة باتجاه فضّ الاشتباك لينهض رئيس مرشح يسقطه رئيس مرشح، والكل يتنازع جسد الرئيس حتى بات أشبه بدائرة الطباشير القوقازية، تلك المستَلهمة من مسرح وليم شكسبير.

هذا يقول: “الصبي لي”، وذاك يقول: “الصبي لي”، ومع كل يوم يتمزق كتف الصبي ورقصة الطباشير مستمرة فيما الخارج لم يعد معنياً بتصحيح الداخل، فالفرنسيون وكانوا متكأً لمجموع قوى وأحزاب قد تخلّو عن دورهم، فيما السفارة الأمريكية تتجول من شاطئ إلى جرد وليس في جعبتها سوى أوامر لمن لا يطيع، أما المملكة وقد كان لبنان “مصيفها” فقد اتخذت طريقاً آخر نحو شواطئ أخرى ليس لبنان من بينها، أما سوريا، الجارة الطامحة، فقد فقدت أقدامها وباتت تحبو على العكاكيز عاجزة عن حلّ أيّة معضلة لبنانية دون أن تعجز عن توليد ما يكفي من المآزق للجار الشقيق، بدءاً من معضلة النازحين الفارين من المجاعة والحرب، وصولاً إلى معضلة زراعاتها العتيقة في بلد لن يحتمل أكثر مما احتمل طوال عقدين من الزمن والانكشارية تجتاح أحزابه وأزقته.

بلد كل ما فيه معطّل، لا مؤسسة تشتغل، ولا ملوك الطوائف ينصرفون، ولا من يُعيد النظر بما يرى ليتحول الممكن من الحلول إلى استحالات ما بعد كل هذه الاحتقانات وقد تتحول إلى حرب شوارع إذا ما استمرت على هذا النحو، يكفيها “بوسطة” متفجّرة كما بوسطة عين الرمّانة من سبعينيات القرن الفائت لينهار كل ما تبقّى وتستعاد مآثر أيام الحرب الأهلية على طريق يقول:

ـ لا التقسيم ممكن، ولا التعايش سوى المستحيل.

والبلاد تتفكك يوم وراء يوم وحين تسأل لبناني قتله الحياد فقد يقول لك:

ـ الحلّ في استعادة رفيق الحريري.

وسيأتي آخر ليفيد بأن الحل يتطلب فؤاد شهاب.

وقد تسمع من يقول لك:

ـ لابد من غازي كنعان، ومن ثم ليضيف: نحتاج إلى هراوته.

هذا ما يرسو عليه اللبنانيون، وفي الجنوب جبهة تحت مسمى “قواعد الاشتباك” فلا هي حرب ولا هي سلام، وإذا ما تداعت فلن يكون من المرجّح القول:

ـ وداعاً أيها الجحيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى