يوم يكون الإسرائيلي بعين واحدة
نبيل الملحم
هل سمعنا من الرئيس الأمريكي جو بادين او من وزير خارجيته كلمة “وقف إطلاق النار في غزة”؟
بل هل سمعناها من أيّ من الدبلوماسيين الأوروبيين؟
لم نسمعها، فكل ما سمعناه “هدنة”، ولحظة يتطور الموقف يحكى عن “تمديد هدنة”، ما يعني أن لهذه الحرب تأييد غربي يترافق مع ضخ إعلامي يضاف إليه حصار الرأي العام الغربي المضاد للسياسات الإسرائيلية حتى بدا بلد مثل المانيا كما لو أنه يغتسل من النازية والمحرقة بغض النظر عن النازية والمحرقة التي يواجهها الغزاويون والتي تنال من المدنيين والعزّل، فيما المقاتلون يعرفون جيداً كيف ينجون من القتل لتكون محصلة الدماء هي دماء طفل وشيخ وجنين وولاّدة.
الحرب لن تتوقف بلا “تحقيق إسرائيل لهدفها من الحرب”، أما الهدف فلابد من مسارين حسب الرواية الإسرائيلية:
ـ أولهما اقتلاع “حماس” عسكرياً، والمتابع يعرف بالتمام والكمال أن “حماس” لم تخسر ولو جزءاً يسيراً من قوّاتها.
وثانيهما ترحيل الغزاويين في خطوة أولى نحو جنوب غزّة، وفي خطوة لاحقة نحو سيناء لتكون سيناء هي “الوطن البديل” للغزاويين.
مجلس الحرب في إسرائيل وبصلافة السلاح يتابع الغرق في أخطاء القراءة، وأقله في قراءة التاريخ إن لم يكن في قراءة اللحظة، فللتاريخ وقفات طويلة مع قضايا عنوانها “التحرر من الاستعمار”، ومازالت التجربة الجزائرية قابلة للقراءة، وما زال متحف الجماجم في باريس يعرض جماجم القتلى من ثوار الجزائر فيما الجزائر باتت “مستقلة” بعلم ونشيد وطني وبرموز تأتي في مرتبة المقدّس بدءاً من جميلة بوحريد وصولاً إلى عبد القادر الجزائري، ما يعني أن القتل لا يكفي لديمومة الاحتلالات، وهذا حال التجربة الفيتنامية وكان سلاح النابالم قد اعتُمِد بمواجهة الفيتناميين وحقول أرزّهم عاجزاً أن يحول دون “هوشي منه” وثواره، وها هي فيتنام اليوم حرّة من الاحتلالات، بعد ان رسمت مصيرها بالدم والدموع.
معضلة الإسرائيليين أنهم يقرأون التاريخ بعين واحدة، ونعني لايقرأون منه سوى فعل السلاح، دون قراءة أفعال الإرادة، ولولا ذلك لاستبدلوا “الكابينيه” الذي يعني “مجلس الحرب” بـ “مجلس سلام”، فالحرب الرابحة اليوم لابد وتتحول إلى معركة خاسرة في الغد، فلا الفلسطينيون يتوقفون عن التكاثر، ولا المواليد الجدد ينسون أن لهم أرضا لابد من استعادتها، ولو فعل الإسرائيليون ذلك وتنبّهوا إلى أن “السلاح يجرح حامله”، ربما لتنبّهوا معه أنهم سجناء الثكنة في منطقة مسوّرة بالأعداء، ما سيقود اليوم او غداً أو في زمن ما، لفرار سكّان الثكنة وقد باتت الثكنة سجناً لسكّانها.
“حماس” وسواها من الحركات الراديكالية، هي وليد “الثكنة” الإسرائيلية، فلكل فعل ردّ فعل كما في الفيزياء كذلك في الحياة، فإذا ما استطاع السلاح الإسرائيلي اجتثاثها، فلن يعني ذلك اجتثاث المواليد الجدد من الفلسطينيين الذين سيعودون إلى الخنادق ما دام الاحتلال احتلالاً، فإن لم يكن العائدون من الإسلاميين فما الذي سيحول دون أن يكون العائدون من اليساريين؟
وهل ثمة من ينسى حركات اليسار ابتداءً من الحكيم جورج حبش وصولاً لليساري الاممي إيليش راميريز سانشيز المعروف بـ “كارلوس” وقد جاء على قدميه من فنزويلا ليختطف طائرة ويحتل ملعباً رياضياً ويعلن:
ـ فلسطين حُرّة.
مرة ثانية لعنة الإسرائيليين أنهم يقرأون بعين واحدة.
عين واحدة كانت لـ “موشيه دايان”.
ومازال الإسرائيلي لا يتعلّم كيف يستثمر بعينيه الاثنتين.