من ضريح رفيق الحريري
مرصد مينا
مع كل ١٤ شباط، تستعيد بيروت رفيق الحريري، تستعيده من مدفنه، باحثة عن بلد يبحث عن المعجزة لانتشاله من الرماد.
عند ضريحه تختلط الذاكرة بالآمال، الموجِع بالمشتهى.
عند مدفنه كذلك يحضر الاحتجاج وقد فقد لبنان رجلاً مع رجال قلائل كان قلبهم على البلد، وكانت لغتهم تُختِزل بـ :
ـ ما حدا أكبر من بلده.
يستعيد اللبنانيون رفيق الحريري، وطالما وقف الرجل على حبل النار:
ـ يد مع المقاومة لصناعة قوّة الردع لبلد جيشه يتعثر بغياب الدولة، ويد للاعتدال للحيلولة دون توريط البلد بالحروب واستنزاف الدماء على الحدود.
ـ يد تمتد للمحتل السوري باستخباراته المتوحشة المهيمنة على كل شارد ووارد في لبنان، ويد في إنعاش قوى الاستقلال وصولاً إلى استرضاء الخصوم بما يشكّل بيتاً جامعاً للجميع، يسمونه بيت الوسط، بوابته مفتوحة على الدوام للخصم في السياسة وللحليف.
ـ يد للإعمار في قطاع السياحة ومنوعات الترفيه، ويد للميناء وقطاع الطاقة والمشغل والجامعة والتنمية البشرية التي تسمح لبلاده بأن يكون جزءاً من الحوار في صراع الحضارات.
ـ يد من الأمس تبحث في دوافع الحرب الأهلية ومسبباتها ونتائجها، ويد تبحث في كومة الرماد عن مشتل للحياة.
سنّي في المذهب، وعربي في الانتماء، لا سنيته حالت دون أن يكون المستقبل حاضنة لكل مذاهب لبنان ودياناتها على اختلاف المذاهب والديانات، ولا عروبته تنكّرت لحق الأرمني في كرسي البرلمان ومقعد الوزير.
حاور اليسار كما لو خرج من مدرسة ماركس والثامن عشر من برومير، وحاور الإسلاميين كما لوجاء من حاضرة لصحابة الرسول.
تعلّم من مدرسة الإمام موسى الصدر يوم التقيا على الوسطية، وشبك ذراعه بذراع نبيه بري كما لو كان إحياء لمرامي الصدر الغائب أو المغيّب المسترسل في الغياب.
رافق وليد جنبلاط كما لو أنه ورث وصية كمال جنبلاط.
استوعب آل الجميل فكان رفيق أمين دون أيّ إنكار لبشير.
رفع كلتا يديه ملوّحاً بالصداقة لسمير جعجع دون أن يخسر جلسات حميمة بالغة الود مع حسن نصر الله.
لاعب يجلس إن شاء في مقعد الجمهور، وحكم إن شاء في الملعب وبيده الكروت الحمراء والصفراء، وعلى الدوام أتقن لعبة حارس المرمى، المرمى الذي يقول:
ـ هذا لبنان.
وطالما صدّ الأهداف الموجعة عن المرمة اللبناني، فاكتسب مكانة من بين لبنانيين قليلين تسنّى لهم اكتسابها.. لبنانيون من مرتبة فؤاد شهاب، ورياض الصلح وكمال جنبلاط والإمام موسى الصدر، فكان اغتياله لا يعني سوى:
ـ اغتيال لبنان.
القاتل معروف، وتجهيله مستمر.
أما اللبنانيون الذين يزورون ضريح رفيق الحريري فبلا ريب، يحنون لرجل:
ـ ليس اكبر من بلده.
ليكونوا معه:
ـ بحجم بلد.
أقله باحثون عن بلد لم يكن سوى:
ـ لعبة في ملعب الأمم.
بحثاً عن بلد لاعب، قد يكون أو لايكون ذلك هو السؤال.