النزوح السوري إلى لبنان.. اليوم التالي؟
مرصد مينا
تتضاعف ارتدادات النزوح السوري إلى لبنان، حتى باتت أولوية للقوى والاحزاب والإعلام اللبناني، ولتتحوّل إلى مشجب تُعلّق عليه مجمل المشاكل اللبنانية مع نسيان جوهر المشكلة التي يمكن ادراجها تحت مجموع عناوين.
في عنوانها الأول، فالنزوح هو ناتج الكارثة السورية، فالبلد الجار في أي من بلدان النكبات يتحمّل جزءاً مما تحمله النكبات، وهكذا كان حال لبنان، وتلك ضرورات ولعنة الجغرافية.
في عنوانها الثاني، فالنزوح السوري قد استثمر مرتين:
ـ في المرة الأولى يوم تخلّص النظام السوري من مساحات واسعة من سكّان المناطق السورية، والبيئات السورية المعترضة على النظام، وذلك عبر رمي هؤلاء السكّان خارج الحدود، مستخدماً كل وسائل العنف والترهيب، وإذا ما سمينا الأشياء باسمائها، فكانت هواجس النظام قد انحصرت في تفريغ جزءاً كبيراً من المناطق السكّانية “السنيّة” من سكانها، لاستيطان سكّان من “الشيعة” حصراً، وإحلالهم مكان السكّان الأصليين، وهم من المناصرين للنظام، ومن يتقصّى مناطق من مثل الزبداني ومنطقة القصير وسواهما، يستطيع استخلاص جدية مثل هذا الكلام.
ـ على الطرف المقابل فإن جزءاً لا يستهان به من القوى والاحزاب اللبنانية ، اشتغلت على الترحيب بالنازحين بدايات ٢٠١١ والحث على النزوح استثماراً للنازحين بمواجهة النظام، والكل يتذكر صرخة “ميّ شدياق” يوم قالت “يعودون على جثتي”.
في الحالين، كان النازح، او اللاجئ، استثماراً، مرة للنظام، وثانية لخصوم النظام، وفي الحالين كان النازح السوري ضحية الصيغة، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار أن بلداً مثل لبنان بموارده الضئيلة، وأزماته المستعصية، وصيغته الطائفية والمذهبية، هو أيضاً ضحية لا تحتمل مزيداً من الضحايا، والنتيجة:
ـ ضحية بمواجهة ضحية، والغارق لا يسعه انتشال غارقاً وهذا هو الحال.
في هذا الحال، ثمة ما لا يمكن تجاهله:
ـ نظام الأسد، لن يتحرك قيد أنملة لحل مشكلة النزوح أو اللجوء، وإذا تحرك فسيتحرك للمزيد من تقديم أسباب النزوح واللجوء لمن بقي في البلاد، مرة عبر الانتهاك الأمني للسكان، وثانية عبر سلب موارد رزقهم وإحالتهم إلى الجوع الذي لابد وسيدفع بالسكّان إلى مغادرة البلاد.
ـ المنظمات الدولية، لم تلتفت لهذه المسألة، ذلك أن الملف السوري برمته، بما فيه ملف اللجوء، لم يعد أولوية، فالأولويات اليوم قد تذهب باتجاه مناطق أخرى، أوكرانيا واحدة منها.
ـ منظمات المجتمع المدني، حوّلت مسألة النزوح السوري إلى لبنان على وجه التحديد، إلى بزنس، تستثمر فيه، دون مراعاة كرامة النازح، أو حال مستضيفه اللبناني.
ـ المعارضات السورية على اختلافها، بلا صوت ولا حضور، ولا ملامح لبرنامج عمل يحمل عنوان “اليوم التالي”، بما يجعل مسألة اللجوء أو النزوح عنواناً من عناوين “اليوم التالي”.
واليوم، تتحول مسألة النزوح واللجوء السوريين في لبنان حصراً، إلى مسالة تنذر بأشنع أشكال وممارسات التمييز العنصري وصولاً للاعتداءات بالغة القسوة والخشونة على النازحين واللاجئين، مع كل الاحتمالات التي تعني “رد الفعل على الفعل”، ليكون “العين بالعين”، ما يعني إدخال لبنان في فوضى تعيد إليه حرباً أهلية يستذكرها وإن لم يغادر تداعياتها، وبالنتيجة لتكون الصورة:
ـ مُضطَهد يضطهد مُضطَهداً، فيما قاتل الإثنين معاً، ينتظر الجثث على حافة النهر.
ـ واليوم التالي؟
ليس ثمة ملامح لما سيأتي من أيام.