بشار الأسد.. لزوم ما لايلزم
مرصد مينا
المشهد ماقبل الأخير لمعمّر القذافي، كان بإطلالته من شرفة ما، وهو يصرخ بصوت مختنق:
ـ من أنتم؟ ثورة ثورة.
أما المشهد اللاحق فكان قتله عبر السحل وهتافات خصومه.
هذا عن القذافي، فيما بدا مشهد صدّام حسين أكثر امتداداً في الزمن بدءاً من الحفرة مروراً بالمحاكمة وصولاً الى المشنقة، أما مصير حسني مبارك فكان أكثر أناقة وأقل عنفاً وكذا حال زين العابدين بن علي.
انتهى القذافي لدى مناصريه على صورة “تراجيديا بطل”، وهذا حال صدّام حسين، فمناصرو كل منهما يوطّد صورة البطل دون أن يُقدّم أيّ من مناصريهما ما يُبرر البطولة إلاّ وقد اقترنت بالتراجيديا التي تعني “الموت”.
بالنتيجة، سقط الأول كرمز، وسقط الثاني كرمز أيضاً، غير أنه ثمة من يسقط اليوم بـ “الغفلة”، حتى بدا يتآكل كصورة وحضور، سواء لدى مناصريه أو معارضته، ومن بعد التآكل كان “الغياب”، وهذا حال بشار الأسد، وقد تحوّل إلى رجل ينتظر زائراً فلا يأتيه من هو أعلى شأناً من وزير خارجية أبخازيا، وينتظر جمهوراً فلا يأتيه من الجمهور ما يزيد عن مجموعة من المراهقين الذين يحلو لهم اللعب بـ “شدّ الحبل”.
أُميت الرجل، لا بالسحل ولا بالانشوطة، أُميت بالنسيان، حتى كاد لا يحضر في نشرة أخبار سوى لاستثارة السخرية، وهكذا باتت سوريا بلا رمز، وقد اعتاد السوريون أُسوة بمن تبقّى من العرب على “الرموز”، فما أن يغيب الرمز حتى تغيب معه الدولة برمتها.
حتماً ثمة خلل أصاب الحالة من بداياتها، فالرمز على لعناته كمنتج للأنظمة الدكتاتورية لا يأتي بمحض الصدفة، فللرمز معدّاته وعدّة شغلة، واحدة منها “الهيبة” وثانيها “الكاريزما” ومن بين عددها منجز ما.. منجز قد يعني الحرب أو الاقتصاد أو إحداث تحوّلات في بلاد تسمح بالقول:
ـ ما قبله غير ما بعده.
لو كان الأمر يتعلق ببشار الأسد، فالمتوافق عليه وفق كل القراءات الرصينة أنه لا.. لا.. ومن ثم لا، فلا هو “الهيبة” ولا هو “الكاريزما”، وهو فقط ما جعل سوريا ماقبل غير ما بعده لا بمنجز حربي ولا بمنجز اقتصادي فكل ما بعده هو:
ـ سقوط فكرة الدولة، بما فيها دولة الاستبداد.
حدث هذا بعد أن آلت الدولة إلى الميليشيا:
ـ ميليشيا من بطن النظام.
ـ ميليشيا من حلفاء النظام.
والأكثر وضوحاً ميليشيات من معارضات النظام.
ومع الصيغة الجديدة لم يتبق من “الرئاسة” سوى قصر بناه الوالد الراحل، وقد بدّد على بنائه ما يزيد عن موارد بلد.
كل ما تبقّى هو القصر الجمهوري ومن يعرف معمارية القصر يعرف أن الأب الراحل اشتغل على أنفاق القصر بما هو اكثر من اشتغاله على قاعات الندوات أو صالات العرض السينمائي.. ربما اشتغل عليها تحسّباً للحظة فرار وريثه من القصر.
حتى اللحظة ليس ثمة من سبب يضغط على الوريث للفرار.
كل ما حوله يشير إلى صيغة ثابتة:
ـ العطالة.
فالكرة المساء تتدحرج على الزجاج الأملس.
غير أن العطالة إياها قد تتحول إلى فعل دياليكتكي مدهش.
قد يحدث ذلك لحظة تمتد يد إلى القصر وتنتزع بشار الأسد منه.
إذا ما حدث هذا فلن تشهد سوريا سقوط رمز:
ـ كل ما ستشهده:
سقوط “لزوم ما لايلزم”.