جو بايدن: لايفنى الغنم ولايموت الراعي
مرصد مينا
الولايات المتحدة الأمريكية ليست كليّة القدرة، والإدارة الأمريكية لن تدير العالم على سبابتها، تلك حقيقة لا يرغب الكثيرون الإقرار بها، أما التجارب فتاخذ الوقائع إلى مكان آخر بدءاً من فيتنام ستينيات القرن الفائت إلى “مارينز لبنان” في نهاياته، وفي أفغانستان كان الدرس الاكثر مرارة.. دروس تقول أن الكوكب لا يدور محمولاً على السبابة الأمريكية، واليوم، ثمة أكداس من القراءات والتقارير الصحفية تتجمع على طاولة “جو بايدن”.. هي تقارير مقلقة، بعضها لايخفى عدم قدرة الصناعة العسكرية الامريكية على إنتاج ذخائر تكفي لتغذية أوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا وحروب الشرق الأوسط معاً. وكذا حال الصناعات العسكرية الأوروبية.. تقارير من هذا القبيل يحكى أن بايدن اطّلع عليها فهي على مكتبه وهي تحذّره من عقم استنزاف ترسانة الولايات المتحدّة في حرب في الشرق الأوسط لا تنتهي.
“جو بايدن” لابد يجري تغييرات على سياسات بلاده وقد تكون تغييرات متوتّرة تخص كيفية انتشار الولايات المتحدة في العالم من الشرق الأوسط وأوروبا إلى جنوب شرق آسيا.
ثمة تقارير عديدة تفيد بأن مؤسّسات الأمن والدفاع في “الدولة العميقة” ركزت على أن الصراع ضدّ الصين وروسيا متفرّقتين أو متحالفتين يحتاج إلى التركيز ووقف تشتّت وجهات واشنطن، وأنّه إذا كان مطلوباً من أجل هذا الصراع ضمان انتصار إسرائيل، فإنّ هذا النصر وتلك المناعة وذلك الردع في الشرق الأوسط باتت تتطلّب، ولمصلحة الحليف الإسرائيلي، إنهاء الحرب وخفض مستوى أهدافها.
تلك حقيقة والذي لا ينبع “يخلص” وفق القاعدة الرأسمالية المعروفة، وهذا لابد سيكون سبباً كافياً ليهمس بايدن في أذن نتنياهو:
ـ كفى يا ابن العم.
العالم اليوم، كل العالم، ونعني به عالم الجامعات والأرصفة والتظاهرات، يُحمّل نتنياهو مسؤولية الحرب باعتباره حامل مفتاحها، غير أن ثمة ما يختبئ وراء الصورة .. ما يختبئ أن في إسرائيل جيش، وأن للجيش كلمة فصل في تحرّكات الساسة.
بناء عليه، لم يذهب نتنياهو في حربه على غزّة وتماديه فيها، إلا لأنّ الجيش “المجروح” من “الطوفان” يريد تلك الحرب ويدفع بها إلى حدود المقتلة. والواضح من خلال “انقلاب” إسرائيل صوب نهاية الحرب أنّ هذا الجيش بات أيضاً ينصح بها.
ماحدث في السابع من أكتوبر وقد حمل عنوان “طوفان غزة” أظهر إسرائيل وكأنّها تجرّعت كأس السمّ، ما لا يسمح لهذا الجيش أن يستمر في انهيار سمعته والنتيجة:
ـ مزيداً من التدمير والقتل.
فيما على الجانب الدبلوماسي، بدا المطلوب وكأنه مطلب “معجزة”.
المعجزة هنا أن ترحّل حماس بما لها وبمن فيها، وهذا لابد “لن يكون ممكناً”.
بايدن لايرى الأمور على هذا النحو، فالامر يستدعي النظر بواقعية، وبمعنى آخر:
ـ يرى الممكن ويشتغل على الممكن.
والممكن بالنسبة لبايدن هو التركيز على حماس، والضغط على حماس لقبول شروطه بما اوحى بأن مفتاح الحل والربط بيد حماس فإذا قبلت حماس شروطه فإن إسرائيل ستقبل بها.
المفارقة هنا أن تخاطب واشنطن “حماس” المصنّفة إرهابية في الولايات المتحدة وكأنّها شريك في سلم غزّة، وأن تتعامل مع “حماس” التي تصنفها بـ” الإرهابية” في حين أنّها لم تتعامل البتّة مع تنظيمَي القاعدة وداعش ولم تسعَ إلى اتفاق معهما. وفي هذا ما يجب أن يطرح أسئلة.
لقد بدا في التفاصيل وكأنّ هناك خارطة طريق معدّة شاركت فيها عواصم لمواكبة “المفاجأة” من واشنطن والدفع بها والحرص على انسيابها. فحتى زعيم المعارضة يائير لابيد في إسرائيل الداعم لمقترح إنهاء الحرب عرض دعم حكومة نتنياهو حتى لو غادرها ثنائي التطرّف بن غفير وسموتريتش. وفجأة بدأت استطلاعات الرأي هناك تكشف عن أغلبية توافق على إنهاء الحرب.
إنهاء الحرب بدا كما لو أنه متوقف على موافقة حماس، وحماس لن تُقدّم رأسها هكذا على المائدة.
والحال كذلك ما الحل؟
ثمة ما ثمة إضافات تحملها الحرب، ومن ثم وقفها، فالمشهد قد يتجاوز غزة، وهكذا فهناك أوساط في واشنطن ترى حماس / إسرائيل كتفصيل مهمّ وأساسي داخل مشهد أكبر. تعتبر تلك الأوساط أنّ إنهاء الحرب في غزّة جنوب إسرائيل سيؤدّي إلى إنهاء الحرب في شمالها من جنوب لبنان. وتذهب هذه الأوساط إلى أنّ انتهاء الحرب سيدفع قدماً المحادثات الأميركية السعودية باتجاه إبرام اتفاق أمنيّ دفاعي نووي استراتيجي تاريخي قد يقود إلى تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وإذا ما كان العرض يغري إسرائيل ونتنياهو، فإنّ دونه شرط الرياض بـ”مسار لا رجعه عنه لإقامة دولة فلسطينية”. هذا الأمر يحتاج إلى خطة ترسم “اليوم التالي” لانتهاء الحرب. وهذا بند للمفارقة لم تلحظه خطّة بايدن.
أمام المشهد الاكبر قد تكون نتائج اليوم التالي:
ـ لا يفنى الغنم، ولا يموت الراعي.
تلك هي خطة جو بايدن:
ـ لا اجتثاث لحماس، ولا هزيمة لإسرائيل.
يحدث هذا اليوم، اما عن اليوم التالي فقد:
ـ تأتي بك الأيام مالم تعلم.