هل سنرى وجه دونالد ترامب على وجه القمر ؟
زاوية مينا
يبدو أن شعوب الأرض، كل الأرض بكل شعوبها تبحث عن آلهة، يحدث ذلك بدءاً من مجتمعات ماقبل المدينة وصولاً إلى وول ستريت الأمريكانية. مع شعوب الصحاري جاء من ينشر آلهته عبر عبادة الأصنام، وأول من جلبها إلى جزيرة العرب ونشرها بين قبائلها، هو عمرو بن شع عامر بن لحيّ الخزاعي، وفق السردية التاريخية .. تتفق حول ذلك كل الروايات التاريخية، ومنها رواية المؤرخ أبو الوليد الأزرقي في كتابه “أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار”، التي ذكر فيها أن “عمرو بن لُحَي هو الذي بحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، وسيّب السائبة (الإبل الموقوفة للأصنام)؛ ونصب الأصنام حول الكعبة، وجاء بهُبَل من هيت من أرض الجزيرة، فنصبه في بطن الكعبة، فكانت قريش والعرب تستقسم عنده بالأزلام، وهو أوّل من غير الحنيفية دين إبراهيم، وكان أمره بمكة في العرب مطاعاً لا يُعصى”، وتشير الرواية إلى مكانته القبلية الحاسمة ، وكلمته النافذة على قبائل العرب.
آلهة الصنم نبتت في مجتمعات تحتاج إلى رعاية الآلهة، معذورة في بحثها، آلهة عصرنا بشر وقد تحوّلوا إلى أصنام حتى أن عراقيين من عبدة صدام حسين عثروا على وجهه في القمر مقلدين عبدة حافظ الأسد وقد تقاسم مع صدام وجه القمر. يحدث ذلك في مجتمعات تخطت البادية وتنكرت للمدينة، غير أن أمراً كهذا سيكون بالغ الادهاش في بلد اطلق ثورته الرقمية، فبات الهاتف المحمول أكثر حضوراً من آلهة التمر.
ـ مالذي يحدث في أمريكا؟
لقد أقنعت نجاة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الموت بأعجوبة، من رصاصة قاتل محتمل أطلق النار عليه، مؤيديه الإنجيليين بأنه شخص ينعم ببركة الرب، مما عزَز الظلال المسيحية التي ترسمها له حملته الرئاسية الشعبوية.
فقد أضفى ترامب وحملته الانتخابية صبغة مسيحية على ترشيحه للرئاسة، مما دفع منتقدي حملته لاتهامها بتعزيز تأليه شخصيته واعتبار أنه الوحيد القادر على إنقاذ أمريكا التي يصورها على أنها دولة ابتُليت بالجرائم وعلى شفا الانهيار.
وفي مقابلات أُجريت مع 18 من مندوبي الانتخابات خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي، عبَروا جميعا، باستثناء اثنين منهم، عن اعتقادهم بأن الرب كان له الفضل في نجاة ترامب من الاغتيال.
وقال كثيرون منهم إن العناية الإلهية هي الطريقة التي اختارها الرب ليظهر للناخبين الأمريكيين أن ترامب، وليس الرئيس الديمقراطي جو بايدن، هو الرجل المناسب الذي يمكن أن يسكن البيت الأبيض بعد الانتخابات.
شارون دي ريجان، مندوبة ترامب في الانتخابات من ولاية فلوريدا، قالت“بالنسبة لي، كانت هذه حماية من الرب”. وأضافت “كانت معجزة، فقد أرسلتها السماء وأدعو الرب أن تستمر هذه الحماية”.
وصوَر ترامب نفسه نجاته بأنها معجزة إلهية. ويوم عشية ترشيح الحزب الجمهوري رسميا له في انتخابات الرئاسة، كتب ترامب على منصته تروث سوشيال أن “الرب وحده هو الذي منع حدوث ما لا يمكن تصوره”.
وفي كل من انتخابات عامي 2016 و2020، دعم الناخبون الإنجيليون ترامب بقوة على الرغم من مزاعم اتهامه بالزنا وسوء السلوك الجنسي، وهو ما نفاه ترامب. ويصفه منتقدون من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، بأنه رجل لا يتحلى بالأخلاق الحميدة ويسعى لتفكيك الديمقراطية.
وعلى الرغم من إدانة ترامب في مايو/ أيار بدفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية عن أمر علاقة خاصة معه ومواجهته عشرات التهم الجنائية الأخرى في الوقت الذي يسعى فيه لولاية رئاسية ثانية، فإن بعض وسائل الإعلام المسيحية تصوره على أنه أحد أدوات إرادة الرب التي تتعرض للاضطهاد على يد أعداء من الداخل.
وقال راي مايرز، أحد مندوبي الانتخابات في ولاية تكساس، “هناك نوع من الأمور الغامضة التي تحدث. بعد كل ما تعرض له، وكل ما أُلقي عليه، بل إنه تعرض الآن لسفك دمه. إلا أنه لا يزال هنا. لا أعتقد كيف يمكنك تفسير ذلك بطريقة أخرى، لكن ذلك تم بفضل الرب”.
وكثيرا ما ينشر ترامب وأنصاره صورا له على أنه شخصية تشبه المسيح على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن القمصان التي تُعرض في المسيرات المؤيدة له تروج لهذه الفكرة، إذ يعرض أحدها صورة للمسيح وهو يضع يديه على كتفي ترامب.
في الجزيرة العربية عجن البداوة آلهتهم من التمر والطحين، واستمروا حتى انتشار الإسلام، وإزالة الصحابة للأصنام من الجزيرة أثناء فتحها، أما عن المصير الذي سيؤول إليه أحد أعمدة عبادة الأصنام ويدعى عمرو بن لحيّ؛ فجزاءً له على نشر الوثنية، فقد أخبر عنه الرسول في الحديث، الذي رواه أبو هريرة قال:”رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ عامِرٍ الخُزاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ (أمعاءه) في النَّارِ”.