مجدل شمس
زاوية مينا
لاهم من مواطني “دولة إسرائيل”، ولا وقائع السياسات والحروب تفيد بأنهم يستعيدون مواطنتهم السورية، بعضهم يخدم في الجيش الإسرائيلي، ومعظمهم تمسّك بأنيابه بالهوية السورية التي يدركون أنها لن تعود.
في إسرائيل هم مواطنو درجة ثالثة، أو ربما رابعة، فالدولة لليهود، وحتى ما بين اليهود فهناك سفارديم وأشكيناز، وبينهم يهود من اليمن السعيد وآخرون يحملون من الحنين ما يكفيهم العودة ركضاً إلى كازبلانكا.
في إسرائيل اسمهم “دروز مجدل شمس”، وفي خطابهم اسمهم عرب “أقحاح” من هجرات يمنية لا تخلو من ذاكرة سدّ مأرب، وهم اليوم هدفاً عسكرياً مُتَنكراً له، لا إسرائيل تعترف بأنها رمت ملعب أولادهم بالصواريخ، ولا حزب الله يُقرّ بالواقعة، ليبقى هؤلاء تحت خط النار، فيما قضيتهم منسية، وغالباً ما ستبقى منسية حتى ولو ذهب حافظ الأسد ذات يوم ليقسم أنه سيغسل أقدامه في بحيرة طبريا ويستعيد مع طبريا الجولان كامل الجولان بمن فيه مجدل شمس وعينفيت ومسعده والقرى الأربعة التي مازالت تحت الاحتلال بما تجاوز السبعين عام.
يوم وقعت حرب 1967 وقد سميت بالنكسة تلافياً لتسميتها بالهزيمة، ذهب جزء من هؤلاء إلى “الكفاح المسلّح” ببارودة شحيحة الطلقات، ومن بعد ضحايا على خطوط النار، تخلّى “البعث” عنهم سوى في إذاعته، فيما اشتغل الإسرائيليون بالمقابل على لعبة الاحتواء، ويوم زارهم شيمون بيريز رشقوه بالأحذية المصنوعة إسرائيلياً تأكيداً لهويتهم السورية، وما بين الحذاء الملوّح به في سماء البلدة الصغيرة وحقول التفاح، أخذت الحكومات الإسرائيلية بتصدير مواسمهم بأسعار منافسة فيما أكلت الشمس مواسم أقرانهم من الجولانيين القابعين تحت سلطة نظام دمشق ما جعل الفارق كبيراً ما بين مزارعين وموسمين، كما الفارق شاسعاً بين من يرمي شيمون بيريز بالحذاء فلا يُحاسب بالأحكام العرفية، وبين من يُحاسب بقانون الطوارئ والمحاكم الميدانية لمن لايسجد لحافظ الأسد موبّخاً جميع الآلهة لحساب إله واحد خالد مُخلّد لا يأتيه الخطأ ولا تنتكس رجولته.
اثنان جولانيان، واحد في البحبوحة الإسرائيلية، والآخر تحت سطوة الساطور والجلد والمواسم الضائعة، والثاني إياه طالما تطلع بغيرة من الأول فيما الأول مازال يشتغل على “هويته السورية” التي لن تُستعاد، وإذا ما استعيدت فلابد أن تستعيدها زنزانة بلد كل ما فيها من انجازات معمارية كانت الزنزانة:
ـ المشفى زنزانة، والمدرسة زنزانة، والصروح الأثرية زنازين وحتى فراش الزوجة زنزانة.
مقارنة بالغة القسوة، بمفارقات بالغة الوضوح، واليوم هاهم بين نارين:
ـ نار حزب الله الذي يشتغل على نجدة غزة، فلا يُنجد غزة ويعرّض لبنان كل لبنان إلى دمار ممكن.
ـ ونار إسرائيل التي لم تر فيهم سوى مواطنو درجة ثالثة، فالدولة يهودية، وليس من سبيل للبقاء فيها مستقبل الأيام سوى لليهود، حتى ولو كان الأغيار يخدمون في جيش إسرائيل ويحملون سلاحه.
متاهة في الهوية، ومتاهة في الخيارات، ومتاهة تولد متاهة، مع الإبقاء على الاسم وحده:
ـ مجل شمس.
مجدل المتاهة.. حزب الله ينكر أنه قصفها والحكومة الإسرائيلية تؤكد.
ولكن ما الذي يعنيه الإسم؟
إنه:
ـ برج الشمس.
هكذا سماها أصحابها الفينيق.. الفينيق القدماء اولئك الذين اكتشفوا السفينة، أكثر من ذلك تشير نظرية الاكتشاف الفينيقي الأمريكيتين إلى أن أول اتصال بالعالم القديم مع الامريكيين لم يكن للمستوطنين الشماليين أو لـ كريستوفر كولومبوس ولكن الفينيق.
وهكذا حال:
ـ مجدل شمس.