نبيه بري.. بالع السكين
زاوية مينا
لا انجزوا مشروع “الامّة الإسلامية” ولا أبقوا على الهوية اللبنانية للشيعة اللبنانيين، والأكثر من هذا وذاك اشتغلوا في المطحنة الإيرانية ليتحوّل شيعة لبنان إلى وقود لمطحنتها، وهذا “عين المريسة” يشهد على الشتات الشيعي كما سواه من مناطق لبنان، بعد مغامرة حزب الله لحساب من يعرف كيف يبيع ولا يشتري، وبعناد يعمّق الحفرة مازال بمن تبقّى من الناطقين فيه على الخطاب إياه، وقد زجّوا نبيه بري بمعركتهم، ليتحوّل إلى شاهد زور في عرس لا يعنيه، فالرجل ومنذ انطلاقة حزب الله كان على اصطدام معه بالسياسة والعقيدة وكذلك بالسلاح، وحرب حقول التفاح منتصف الثمانينات تشهد على التضاد بين مشروعين، أحيل لاحقاً إلى مساكنة، الاستمرار فيها قسري، والفكاك منها بالغ التكاليف، فالشقاق في الصف الشيعي اللبناني اليوم يعني فيما يعنيه خروج الشيعة لا من لبنان بل من التاريخ، فبيئة حزب الله بهلوساتها الجمعية قادرة، إن لم تكن عازمة على رفع السلاح باتجاه اقتتال شيعي/ شيعي، لن يتيسر إيقافه كما حال مرحلة منتصف الثمانينات يوم كان للشيعة مرجعيات وازنة من طراز محمد مهدي شمس الدين أو حسين فضل الله، ولا مرجعيات يسارية من حجم ونباهة حسين مروة ومهدي عامل أو هاني فحص وسواهم، كما لم تعد الصيغة اللبنانية في مآلاتها الراهنة قادرة على امتصاص مجموع ما راكمه حزب الله من مآس للبنانيين، أحرق ما بعدها نفسه كما أوقد الحرائق في ثياب مجاميع الشيعة من مناصريه ومنتقديه، فيما تعمل قيادات من حزب الله على وضع نبيه بري أمام صيغة تختزلها حكاية رغيف الخبز وقد وضع أمامه باشتراطات مفادها “مقسوم لا تاكل وصحيح لا تقسم وكول وشباع” ما جعل تفويضه ناقص وما جعل مصطلح “الأخ الأكبر” الذي أطلقه عليه نعيم قاسم، طائراً بلا جناحين، وما سينتج أكبر إرباك لنبيه بري دون نسيان حجم الاضطراب الذي سيواجهه الرجل في بيئة شيعية مسكونة بالمخاوف مرتين، مرة بالتاريخ وثانية باستحقاقات اللحظة، رغم التطمينات التي قدمتها مجمل الطوائف والبيئات اللبنانية، أقله عبر احتضان النازحين، وهكذا بات نبيه بري، مكلّفاً نصف تكليف، فالرجل:
ـ مكلّف بإنجاز اتفاق ١٧٠١ وتجاوز ما تضمنه من افراغ الحدود اللبنانية الإسرائيلية من الميليشيات المتضمنة في القرار ١٥٩٥ الذي يعني فيما يعني نزع السلاح، كل سلاح الميليشيات من جنوب لبنان.
ـ ومكلف بإنتاج رئيس توافقي، والتوافقي في قراءة حزب الله، هو الرئيس المتوافق مع حزب الله وحده لا سواه.
ـ ومكلف بتدبير شؤون النازحين الذي يرفعون قبضاتهم وهتافاتهم لبيك يا نصر الله دون ما يمنعهم عن الطعن بنبيه بري الحليف.
وما من تكليف للرجل إلاّ ويحمل صيغة “ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له، إياك إياك أن تبتل بالماء”، وكلّه في اللحظة التي يغرق فيها حزب الله، ويُغرق معه طائفته، ولحساب طهران التي تبادل المال بالعقائد، ولا تجد مانعاً من مبادلة دم الحلف بكيس طحين، وعلى المفترق الصعب، بل والطوفان الصعب يقف نبيه بري ليقع أو يغرق تحت اشتراطات “نصف الحليف”.
حال الرجل هو حال بالع السكين، إخراجه قاتل والإبقاء عليه يقتل.
ـ حزين هذا الرجل ومسكين.