لبنان ما بعد إعلان Game over
زاوية مينا
وحده لبنان من بين البلدان العربية الذي تذوّق الديمقراطية، ديمقراطية هشّة؟ ممكن.
ديمقراطية التقاسم الطائفي لحساب “تزعيم ملوك الطوائف؟” ممكن.
غير أنها لابد ديمقراطية حققت الحد الأدنى، أما عن الحد الذي يسمح بمحاسبة جمهور الأحزاب لأحزابهم فلابد أنه أمر نادراً ما حدث وإن حدث فلابد يستلزم كوارث كبرى.
في العادة، وعندما يتثبّت جمهور حزب من خطأ قيادته فقد يعتبرها مجرد خطأ.
حدث هذا مع جمهور القوات يوم أدرك الخطأ الفاحش الذي ارتكبه سمير جعجع بمصافحة ميشال عون وحمله إلى كرسي الرئاسة.
حدث العكس مع التيار في مراجعته لعلاقته بالقوات.
ويحدث الآن ما بين حزب الله والتيار لحظة تخلّي التيار عن حليفه يوم وقع حليفه، أو أوقع نفسه، في حرب قد تأتي على آخرته بعد أن طالت قيادته.
الأهم من كل ما سبق هو ما تحمله الأيّام المقبلة، ونعني تلك الأيام التي تتوقف فيها الحرب، والتي ستستعيد لغة:
ـ سنحاسبكم.
ونحاسبكم هذه من الطرفين الأشد خصومة، تيار حزب الله الذي يفصح عن نواياه بمحاسبة خصومه، وخصومه وعلى رأسهم القوات التي لاتكف عن حديث المحاسبة، وهنا سيكون السؤال الأكثر جدّية، والذي قد يقود إلى “الأكثر دموية” في صيغة لا تحتمل حوار المنصّات إذا ما انتقلت إلى حوار الزواريب، ذلك أن هزيمة حزب الله وتقشيطه من سلاحه الثقيل، لا تعني ولا بحال تقشيطه من سلاحه الفردي، وحروب الزواريب لا تستدعي صواريخ بعيدة المدى بقدر ما تتطلب أمرين:
ـ بندقية أوتوماتيكية، وإرادة القتال.
وحزب الله لابد ويمتلك البندقية، أما عن إرادة القتال في الداخل، فبلا أدنى شك سترتبها يوميات التحشيد والتحشيد المضاد، ولغة العنف مقابل لغة العنف المضاد، وهو أمر يُشتغل عليه دفعاً نحوه، فيما نُصغي إلى أصوات عاقلة وهي من الصفين، تدعو إلى التهدئة اعتماداً على قراءة وقائع من تاريخ البلد، وهي وقائع تقول أن إلحاق الهزيمة النهائية بأي طرف لبناني هو أمر غير ممكن، فيما إشعال النيران بثياب المقاتلين ممكن، لتتلو الحرائق الموائد، والموائد هنا تعني إعادة رسم الداخل بتوافقات كان يمكن تلافيها دون إهدار الدماء، وهذه بعض من الوقائع التي يتوافق عليها عاقلو لبنان:
ـ اغتيل كمال جنبلاط، وما بعد اغتياله انتقل دروز لبنان إلى السلاح، فنمى العنف ومشروع العنف لينتقل جبل لبنان من خطاب جنبلاط الهادئ والجامع إلى خطاب العنف، وبيصور في حربها مع سوق الغرب تشهد على عنف هذا التحوّل.
ـ اغتيل أو غيّب الإمام موسى الصدر، فانتقل شيعة لبنان من الخطاب التسووي الجامع، إلى حركة أمل العنفية وقد ورث حزب الله عنها العنف مضاعفاً.
ـ اغتيل بشير الجميل فتحوّلت بيروت إلى مساحة للدشم والقنص والتفخيخ.
واغتيل رفيق الحريري، فكان من نتائجه إخراج الجيش السوري من لبنان في خطوة لم تكن لتحدث لو لم يكن الإغتيال.
بالنتيجة العقلاء اللبنانيون يعرفون بالتمام والكمال أن مواجهة حزب الله في الداخل لن تأتي سوى بالمزيد من الخراب، فيما القاعدة الشعبية لحزب الله باتت اليوم تنفضّ عنه، وهو أمر يستدعي النظر إلى التحوّلات التي يمكن أن تحدثها هذه البيئة في مواجهة حزب الله، دون ان تمتد المواجهات إلى لبنان كامل لبنان إذا ما انحصرت في البيت الشيعي، وهو البيت الذي لن يكون عاجزاً عن إنتاج نخبه التي تشتغل لحساب “الدولة” والاشتغال على سيادة الدولة، وفضّ صيغة “الدويلة داخل الدولة” وهي الصيغة التي دفع الشيعة أثمانها من دماء أبنائهم وممتلكاتهم، لتكون الصيغة سيئة الذكر والذكرى بالنسبة اليهم، وهنا سيكون الرهان العاقل.. الحكيم، الذي سيوفر الكثير من الدماء، على بلد استنزف بالحروب الاهلية وحروب الغير على أرضه.
الصراع اليوم بات يحمل كلمتين:
ـ صراع العقل مع الغرائز.
الفوز لمن؟
ذلك ما ستحكيه أيام مابعد الحرب.
ما بعد إعلان:
ـ Game over