قصر الشعب بانتظار سعد الحريري
زاوية مينا
“يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا أفعى هربت منه الأفاعي، يا حوتاً لفظته البحار”، كانت تلك هي الصفات التي اطلقها وليد جنبلاط على بشار الأسد في احتفال بالذكرى الثانية لاغتيال رفيق الحريري، وكان الخطاب يوم كانت حياته مهددة، فرستم غزالة وقد ترك لبنان، أودع فيها أزلامه ومحاسيبه، وحزب الله لم يكن لينزع سبابته عن الزناد، كما لم يكن قد تنازل عن ابتكار السيارات المفخخة التي اغتالت الحريري وجبران تويني، وقائمة تطول من لبنانيين نزعوا الكمّامات عن أفواههم وأطلقوا صرخة الاستقلال.. الاستقلال عن جهاز استخباري تغوّل بالدم اللبناني، بدءا، من الغول الأب، وكان حافظ الأسد قد فتح الطريق لابراهيم حويجة ليغتال كمال جنبلاط كما الشيخ حسن خالد، كما التفجيرات المتنقلة التي تطلق اللبناني لمحاربة اللبناني، بتحريض من الأسد الأب واحتواء للمقتتلين وقد اشتغل الاقتتال لحسابه.
وليد جنبلاط اليوم يدخل القصر الرئاسي، يرشّد اللغة لتقتصر على بعدين:
ـ الأمنيات الطيبة لسوريا.
والإيحاء بأن لبنان وسوريا شعب واحد ولكن في دولتين.
ولكل منهما ما يمثل المدى الحيوي للآخر دون إرادة بلد تُفرّض على بلد، وسلطة تحتل سلطة.
وحين وجه له سؤال:
ـ هل ستزور السويداء.
أجاب:
ـ سأزور سوريا.
وكان بتلك الإجابة قد أعفى دروز سوريا من الوصاية الجنبلاطية عليهم، ليدعهم يختارون ما يختارون، بما يسمح للوطنية أن تحلّ محل الطائفة، دون حشرهم في عباءة الأقلية التي تضيق بلابسها.
الجنبلاطيون، وقد اكتووا بالأسد، يشتغلون على استعادة لبنان، لبنان فقط، وقد تكون تقاطعات اللحظة، هي اللحظة المناسبة لاستعادة بلد تاه في اللعبة الدولية وألعاب الإقليم، وبات بلا “حزب الله” وسبابة نصر الله المهددة، وهي اللحظة المناسبة وقد قطعت طريق الاغتيالات والكبتاغون عن بلد خرج منه جيش الأسد ولم تخرج منه مافيات الأسد وعصاباته، ومع قطع الطريق، لابد وقطع الطريق عن شياطينه، فهذا الدرزي وئام وهّاب، يعود إلى أصله، لقيطاً لا طائفة يستثمر فيها، وهذا طلال أرسلان صامت كما لو مقبرة، فيما بقية دروز جبل لبنان، يتحررون بتحرير سوريا، ليكون التلاقي:
ـ لبنانيون وسوريون.
دون استباق أي من الاسمين بالمذهب وبالتوصيف الديني.
هو زمن لبناني جديد، يفتح للبنان طريق “القرار المستقل”، بلا حرس ثوري إيراني، وبلا “القرض الحسن”، وقد بات وصياً على لقمة الشيعة اللبنانيون، بعد أن كان سلاح حزب الله وصياً على دمائهم، لتكون حرية البلدين معاً، في لحظة لها ما بعدها غير ما كان قبلها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما احتفل الموارنة بسقوط معتوه الشام، ولما أوقد السنّة شموع الاحتفال، ومن تبقّى من الشيعة لابد ويحصون ضحايا المقتلة التي أخذهم إليها الولي الفقيه.
هي نقلة كانت أبعد من أيّ خيال، غير أنها وصلت، و”الموجة تجري ورا الموجة”، ولن يبتعد بنا الوقت حتى نرى سعد الحريري في بيروت وهو يتلو الفاتحة على قبر والده، ويهمس له:
ـ الحق عاد لأصحابه يا أبي.