fbpx
أخر الأخبار

العلويون.. هم السؤال القاتل من بين الأسئلة القاتلة

زاوية مينا

لا البورجوازية المدينية تعلّقت بأذيال الدولة، ولا الإقطاعيات التقليدية تقبّلت الخضوع لسلطة (الميري) التي تعني أجهزة البيرقراط بشكليها الحكومي والأمني، غير أنهما رضختا للـ “الدولة” ما بعد تجربة التأميم، وهي التجربة الأشدّ فتكاً، ومن نتائجها تعطيل البلاد ومن بعدها باتت مفاتيح الاقتصاد السوري الحرّ أمام واحد من خيارين:

ـ إما الهجرة والرحيل عن البلاد، وذلك ما حدث وتحديداً في قطاع النسيج السوري كما في قطاع الصناعات التحويلية (والغذائية منها على وجه التحديد).

ـ وإما اللجوء إلى مشاركة المتنفذين من البيرقراط الأشد تغوّلاً، وهؤلاء ينتمون إلى المؤسسة العسكرية والأمنية، ما جعل البيرقراط بشقيه شريكاً، رأسماله السطوة والخوّة.

المجموعات السكّانية من الأقليات التي تمتلك الحرفة أو الحيازات الزراعية التي تؤمن لها الكفاية، احتمت بالحرفة والحقل، لتعثر على حد أدنى من الكفاية، مذعنة لابتزازات البيرقراط الحكومي، غير أنها نجت من المجاعة متقبّلة لتلك الشراكة مع ناهبها.

فيما المجموعات السكانية والعلويون في سوريا هم الفئة الأشدّ تعبيراً عن الحالة، لم تكن لهم من الحيازات الزراعية ما يؤمن لقمة عيشهم، فيما لم يلتفت نظام الأسد إليهم لينتج في مناطقهم بنى تحتية تتصل بالصناعة أو بالتأهيل الحرفي، ومن ثم ليحوّل هذه المجموعة إلى احتياطي لبيرقراطه العسكري مبدئياً، ومن ثم لإلحاقهم ببيروقطهم الأمني، وفي الحالين ليلبسهم رداء (الدولة) وقد تحولت هذه الدولة إلى الوثن الذي يعبدونه باعتباره يحمل لهم الخبز والوظيفة الحكومية، وهو مالم تواجهه مجموعات سكّانية أخرى كالمسيحيين أو الإسماعيليين أو الدروز، ولكل من هذه المجموعات امتداداتها وظهيرها ومداها الحيوي.

فالغرب، والفرنسي على وجه التحديد، كان داعماً للمسيحيين وقد اشتغل على تأهيليهم للحياة عبر البعثات والإرساليات وبالنتيجة حصاد العلوم المتقدمة، فيما كان للإسماعيليين مؤسسة راعية هي مؤسسة الآغا خان، ولابد أنها من المؤسسات الدولية بالغة النفوذ والقدرة، أما الدروز وقد اختاروا الهجرات باتجاهات مختلفة، رفعوا أسوارهم بمواجهة سطوة الدولة ليستقلوا عن ردائها فلا يتمرمغوا في رداء “الميري” الذي يعني الولاء للدولة، مع التذكير بأن “الدولة” هنا لا تعني أرضاً وشعباً وسلطة، فـ “دولة الأسد” هي دولة العائلة والعنف وأجهزة القمع، وقد اجتاحت الشعب والأرض، مكتفية بضلع واحد من مثلث الدولة، ونعني هنا “السطوة”.

وحدهم العلويون علقوا في براثن “دولة المستبد”، وتلحفوا بها، لتكون النسبة الأقل من المهاجرين من صفوفهم، فيما حيازاتهم الزراعية غير كافية لتحقيق موارد كفيلة بـ “سترهم”، وفي ذات الوقت لم تبن دولة الأسد من البنى التحتية ما يسمح لهم باللجوء إلى الحرفة، والمطلعون على حال الساحل السوري يعرفون بالتمام والكمال أنه ليس ثمة مصنع واحد في كامل الساحل السوري، حتى ولو بمستوى مصنع للعصائر يحمي منتجاتهم من البرتقال ليتحول إلى علبة تدخل السوق دون أن ترمى هذه المنتجات إلى الهلاك في أسواق الهال، فلا يستعيد منتجها تكاليف إنتاجها، ولم يكن هذا الحال بريئاً بقدر ماكان فعلاً مخططاً له، بما يسمح لعائلة الأسد بامتلاك مجموعة من عبيد السلطة يحملون لقب:

ـ طائفة.

فكانت الطائفة من ضحايا الأسد، مرة عبر تهميشها في الإنتاج والاقتصاد وحرمانها من بناء نفسها، وثانية عبر زجها بمؤسسات القهر من جيش وأجهزة أمنية، وهاهي سلطة الأسد تنهار، ومع انهيارها تنهار الطائفة، أقله وقد اتخذت السطلة الجديدة قرارات صريحة بالاستغناء عن آلاف العاملين في الأجهزة الحكومية، وبالنتيجة في إلقاء هؤلاء إلى المجاعة والمجهول معاً، وهو أمر ربما ستكون له انعكاساته على البلد، فجحافل الجائعين لابد وتتحول إلى العنف بعد أن تغلق بوجهها نوافذ الحياة، ليتم عقابهم على تاريخ من القهر وقد تولوا بجزء كبير منهم المسؤولين عنه.

حال كهذا سيطرح السؤال:

ـ هل بالوسع انتزاع هذه المجموعة من الخارطة السورية؟
إذا كانت الإجابة بـ “لا”، فهذا يستتبع سؤالاً:

ـ وهل بالوسع تركهم لمجاعة قد تكون ارتداداتها الإنفلات الأهلي بما يسمح بالثأر المضاد، وهذا احتمال وارد؟

إذا ما حدث مثل هذا فستتحول البلاد إلى حقول من الدماء، وستحرم من التحوّل السلمي باتجاه دولة العدالة.

ما الحل في هكذا حال؟

هو السؤال العالق الذي يتطلب فيما يتطلب إجابة، لا الثأر طريقها، ولا الإنكار طريقاً لها.
هي أسئلة لبلاد مثقلة بالأسئلة.

مثقلة بأعباء أمس تحالف فيه الفساد مع القهر، مع تحويل الضحية إلى قاتل، ومن بعدها القاتل إلى ضحية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى