الحفر بالملعقة

زاوية مينا
هي أطول الحروب التي شهدتها المنطقة، وكانت انطلقت في 7 أكتوبر 2023، وقد تضمنت كل ما لايخطر على بال من الاستثمار بالأسلحة، بما لايبقي سلاحاً إلاّ واستخدم، عدا النووي، ربما المخبّأ للتلويح فيه لا لاستخدامه، وهو السلاح الذي يعني الردع بعيداً عن الحرب.
أما عن ضحايا الحرب فقد زاد عدد القتلى الغزاويين عن 51 ألف قتيل من بينهم قيادات حمساوية، بعضها صُفي خارج البلاد كما حال إسماعيل هنية وصالح العاروري، وبعضهم اصطادته الدرون الإسرائيلية وهو يرفع سلاحه على أراضيه، كما يحيى السنوار، ومحمد الضيف، وروحي مشتهى، ومروان عيسى، وأيمن نوفل، وقائمة الأسماء تطول، كلما طالت الحرب، فلا الفلسطينيون في نزهة، ولا الجيش الإسرائيلي يحدث الانتصار الذي يقول بعده:
ـ كفى.
آفي أشكنازي، الصحفي الإسرائيلي، الذي لايُطِل على مقالاته إلاّ بالبدلة العسكرية، مازال يعتبر أن “تفكيك حماس ليس بالهدف الواقعي”، فيما يقول بأن القتال بالنسبة للجيش الإسرائيلي ليس نزهة، وهاهو يحاور الوزير المتطرف سموتريتش، ففي غزة اليوم “عشرات آلاف مقاطع الأنفاق.. (ففي شمال القطاع، أينما يلقى حجر – تفتح عين نفق). وحماس بخلاف التقديرات الأولية، لا تزال تحوز قوة قتالية تضم عدداً ليس صغيراً بعضهم منظمون في سرايا وكتائب”.
ثم يتابع القول وعبر “معاريف” أنه “في المناورة السابقة في رفح، نجحت المنظمة في تهريب مئات، وربما أكثر، من الحمساويين إلى منطقة المواصي”، ومن بعدها يؤكد حقيقة أن القتال في هذه اللحظة ذا قوة محدودة، وهذه القوّة هي موضوع مركب بالنسبة للجيش الإسرائيلي – جيش كبير، منظم ومطالب بالتصدي لمنظمة تعمل وفقاً لعقيدة حرب العصابات.
هذا جانب من الموضوع، ولكنها حقيقة ينبغي أن تضاف إلى حقيقة ثانية وهي أن الجيش لا يمكنه العمل في كل مكان، خوفاً من المس بمخطوفين، وهو ما تستغله حماس حتى النهاية.
إذن ما الذي تبقّى للحكومة الإسرائيلية أن تفعله بمواجهة حمساويون يخرجون من الأنفاق، يطلقون النار ويهربون؟
يحدث ذلك تقريباً في كل يوم، بضع مرات في اليوم، وهكذا دواليك.
أشكنازي يصف جنود جيشه بـ “مقاتلونا متحفزون ويقظون”، لكن السؤال المطروح هو:
ـ كم من الوقت يمكن إبقاؤهم على هذا النحو؟
هو من سيتولى الإجابة، ففي غزة مجالات واسعة مفخخة، وهو ما يستوجب من الجيش الإسرائيلي أن يدمر مئات وربما آلاف المباني.. أصبحت رفح مدينة مسواة بالأرض؛ ليس سوى أنقاض مبان، وشوارع تحولت إلى جزر خرائب.. سيحتاج الأمر إلى عشرات السنين لإعمار الأحياء، إذا أتيح أصلاً.
بالتوازي، يعمل الجيش الإسرائيلي على تطهير تحت الأرض، لكن هذا يبدو كتفريغ بحر بملعقة.. الجيش الإسرائيلي ملزم بالتفكير خارج الصندوق إزاء الأنفاق؛ التفكير كيف يمكن تدمير مجالات كاملة من الأنفاق بوتيرة سريعة، وبالحد الأدنى من الاستثمار، والأهم دون تعريض المخطوفين للخطر.
كل ما يقوله ويفترضه لا يعني سوى انسداد الأفق العسكري (أقله حتى اللحظة) وحين ينغلق الباب بوجه العسكر، لابد أن يفتح باب آخر بوجه الدبلوماسية، وهذا يعني العمل على اختراقٍ في المفاوضات لتحرير المخطوفين في الأيام القريبة القادمة، وسيكون المستوى السياسي مطالباً بتوجيه تعليماته للجيش الإسرائيلي بتشديد الضغط.
حينئذ أمامه خياران: الأول، القيام بالعمل ذاته، ولكن بقوة نار أعلى، لكن يدور الحديث عن تآكل القوات التي تعاني الآن عبئاً جسيماً.
أما الخيار الثاني فيتضمن تجنيداً واسعاً لمئات آلاف جنود الاحتياط وإرسال خمس – ست فرق تناور في آن واحد في غزة.
الفرق التي في غزة الآن تخلق ضغطاً جسدياً معتدلاً على حماس في رفح وفي شمال القطاع. وتأخذ أراضي بالتوازي مع محاولة نزع قدرات تكتيكية من حماس.
هذا ما يحدث، غير أنه، وحتى اللحظة، لم يُحدِث سوى الدمار، الدمار وحده، وبلا أيّة آفاق، فالمحتجزون من الإسرائيليين، مازالوا محتجزين، وأهاليهم مازالوا يتظاهرون في شوارع تل أبيب والمدن الكبرى بحثاً عن مصير أبنائهم، أما حماس فمازال مقاتلوها يحفرون الأنفاق، حتى لو تطلب الأمر:
ـ الحفر بالملعقة.