قد نستيقظ في الغد لنتلمس أجسادنا فلا نجدها

نبيل الملحم
لولاها لنزل اليابانيون على شواطئ لوس أنجلوس، إنها “القنبلة” التي تمنح المحاربين رسالة أن:
ـ افهموا.
لكن فرانسيس كوبولا، ويوم صنع “القيامة الآن” عرف كيف تحرق قنابل النابالم الأرواح دون اللجوء إلى “قنبلة هيروشيما”، وهي القنبلة التي كان الإسرائيليون يضعونها في مرتبة الإله الحامي لـ “الوعد”، حتى أن وزير التراث الإسرائيلي عميحاي الياهو، كان قد اقترح ذات يوم القاء القنبلة على غزة بعد أن اشتهى شيمون بيريس أن يستفيق ذات يوم ليجد غزة وقد ابتلعها البحر.
ـ أجل، اذا لم يكن لدينا قنبلة ذرية فكيف ننام؟
بيريز صاحب القنبلة، تساءل مطمئناً أن قنبلته في اليد، أما أن تمتلك “طهران” قنبلتها فتلك لعنة لن يكون بوسع إله إسرائيل لملمة مخاطرها، وهكذا، فها نحن اليوم نغرق في ضجيج “القنبلة الإسرائيلية الجاهزة”، في مواجهة “القنبلة الإيرانية المحتملة”، ووسط ضجيج التهديدات والتصريحات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، يبدو أن شيئًا ما قد انكسر في منطق العالم.
لم نعد أمام صراع جيوسياسي معتاد، بل أمام سباق نحو الجنون الكامل، والمخيف.. جنون بات يلوّح بخياراته النووية كمن يهدد العالم برصاصة في الرأس.
إسرائيل، وفق تسريبات وتحليلات متقاطعة، تُلوّح بـ”خيار شمشون” إذا فشلت في حسم معركتها ضد إيران، نعم هو الأمر كذلك وقد انتقل بنيامين نتنياهو من فلسفة “هانيبعل” التي تعني أن الحرب تحصد أرواح العدو، كل العدو بمن فيه الأجنّة في البطون، إلى “خيار شمشون” الذي يعني هدم المعبد على من فيه، والخيار لا يتوقف عند ضربات جوية تقليدية، بل يصل إلى حد تفجير قنابل نووية أو “قذرة”، سواء على أراضي الخصم أو حتى داخل الأراضي الإسرائيلية نفسها، كمنطق انتحاري لإجبار العالم على التدخل والإذعان.
في المقابل، لا تخفي إيران امتلاكها مفاعلات يمكن أن تتحول إلى “قنابل مؤجلة” في حال تعرضها لقصف مباشر، وليس من المبالغة القول إن استهداف مفاعل واحد – سواء في نطنز أو فوردو أو ديمونا – يمكن أن يُشعل كارثة بيئية تفوق انفجارات هيروشيما وناغازاكي بأشواط، نظرًا للكثافة السكانية، والافتقار إلى أنظمة حماية طارئة في الإقليم.
نحن في لحظة عجز عالمي. لا قوى كبرى تضبط الإيقاع، ولا منابر دولية تجرؤ على فرض خط أحمر أخلاقي.
الصمت بات هو الردّ، وكأننا ننتظر حدوث الكارثة لنبدأ في عدّ الضحايا.
كإنسان متوسطي، لا أدري أين أضع قدمي بين هذا الجنون، لا أنا منحاز لإيران، ولا أجد في إسرائيل ملجأ أخلاقيًا.. كل ما أراه اليوم هو عصابة زعران تتقاتل في زقاق جانبي من التاريخ، فيما تُحاصرنا الأخبار كل فجر عن عشرات الجوعى الذين يُقصفون فقط لأنهم سعوا وراء الرغيف.
ـ لكن ماذا بعد؟
إذا ما تعرّض أحد المفاعلات النووية للقصف – سواء عن عمد أو بخطأ محسوب – فإننا سنواجه موجة من الإشعاعات لا تعترف بالحدود.. ستتلوث المياه والتربة والهواء فحسب، وسنرى المنطقة تتحول إلى مقبرة بيئية مفتوحة لا دول الخليج ستنجو، ولا الأردن، ولا العراق، ولا مصر، ولا سوريا، ولا حتى تركيا ستكون بمنجاة، بل وحتى إسرائيل نفسها، لن تبقى على قيد الحياة بعد هكذا خيار.
ولأن الحيرة وحدها لا تكفي، نحن بحاجة لطرح سؤال جوهري:
ـ من يجرؤ على إيقاف هذه العربدة؟
ـ من يقف ليقول إن كرامة الإنسان لا يمكن أن تُدهس تحت أقدام جنرالات مهووسين بالمجد أو الانتقام؟
الأمن لا يُبنى على قنابل موقوتة، ولا على مفاعلات قابلة للانفجار في أية لحظة.
الأمن الحقيقي يبدأ من إيقاظ الضمير العالمي قبل أن نصحو ذات صباح على إشعاع لا يُرى، لكنه يفتك في صمت.
هذا العالم، إذا لم ينتصر للعدالة، فعلى الأقل، فلينتصر للحياة.
قد نستيقظ في الغد لنتلمس أجسادنا فـ :
ـ لا نجدها.