“درس العراق” في طهران.. الأوربيون يرتعدون

زاوية مينا
في الوقت الذي تنزلق فيه المنطقة نحو مواجهة غير مسبوقة بين إسرائيل وإيران، وتضطرب موازين القوى على وقع تصريحات دونالد ترامب وتحرّكات الحرس الثوري، يلوح في الأفق قلق أوروبي مختلف في نبرته، لا يكاد يُسمع في ضجيج البنادق:
ـ ماذا لو سقط النظام الإيراني؟
إنها ليست فرضية عبثية في ظل التصعيد المتبادل، لكنها أيضاً ليست أمنية أوروبية. بل على العكس، توحي مؤشرات السياسة الأوروبية الرسمية وغير الرسمية أن سقوط النظام الإيراني يمثل كابوساً استراتيجياً لأوروبا، لا تقل خطورته عن اشتعال حرب نووية تكتيكية في الخليج.
فما أسباب هذا القلق الأوروبي؟ ولماذا تقف أوروبا على الحياد البارد بينما يشتعل الإقليم؟ للإجابة، لا بد من العودة إلى نقطة مركزية تختصر كثيراً من الأجوبة.
حين قررت الولايات المتحدة، بقيادة جورج بوش الابن، غزو العراق، عارضت بعض الدول الأوروبية الخطوة (فرنسا، ألمانيا)، فيما وقفت أخرى في صف واشنطن (بريطانيا، إسبانيا).
لكن النتيجة أصابت الجميع: دولة عربية كبرى تفككت تحت أعين العالم، وتحوّلت إلى ساحة للفوضى والاحتراب الأهلي والطائفي.
لم يكن انهيار نظام صدام حسين فقط هو ما وقع، بل انهيار نموذج الدولة وخلق فراغات أمنية ملأتها جماعات “القاعدة”، حيث وجد المدنيون أنفسهم بين مطرقة الاحتلال وسندان الميليشيات، في أكبر كارثة استراتيجية مطلع القرن.
بالنسبة لأوروبا، كانت تلك التجربة درساً بالغ القسوة. ومنذ ذلك الحين، أصبح مصطلح “تغيير النظام” مرادفاً للفوضى، لا للحرية. إيران، من الداخل، أكثر هشاشة مما يوحيه خطابها العسكري أو شعاراتها الثورية، فهي تتكوّن من قوميات متعددة (فرس، أكراد، عرب، أذريون، بلوش، تركمان)، ومن مذاهب دينية متباينة، وسيضاف إلى هذا وذاك تباينات طبقية عميقة بين الريف والمركز.
كل هذا يجعل من أي انهيار مفاجئ في النظام شرارة محتملة لحرب أهلية واسعة النطاق، أو لتفكك الدولة الإيرانية إلى كيانات متنازعة، وهو سيناريو ترعب أوروبا احتمالاته.
أوربا تتخوف وعينها على عدد سكان يتجاوز الـ 85 مليوناً، فإن مجرد نزوح 5% منهم هرباً من الفوضى سيعني قرابة 4 ملايين لاجئ، كثير منهم سيجد طريقه شمالًا نحو أوروبا عبر تركيا.
تجربة اللجوء السوري لا تزال حاضرة، وقد أدّت إلى توترات داخلية عميقة في دول أوروبية عدّة، وصعود غير مسبوق للأحزاب اليمينية المتطرفة، وأزمة تماسك في الاتحاد الأوروبي ذاته.
أوروبا تدرك أن موجة لجوء جديدة من إيران قد تطيح بما تبقى من توازناتها الداخلية الهشة.
رغم ارتباط أوروبا بتحالفها التاريخي مع واشنطن، إلا أن عهد دونالد ترامب عمّق فجوة الثقة بين ضفتي الأطلسي. فقرارات ترامب ـ كما ترى أوروبا ـ تقوم على انفعالات شعبوية، لا حسابات استراتيجية مدروسة، وبالتالي، فإن أي قرار أميركي (مباشر أو بالوكالة عبر إسرائيل) لإسقاط النظام الإيراني، قد يفتح الأبواب على سيناريوهات لا يمكن احتواؤها، ولا خطة أميركية لإدارتها ـ تماماً كما حدث في العراق.
أوروبا، رغم كل خلافاتها مع طهران، لا ترى في انهيار النظام الإيراني خبراً ساراً. بل ترى فيه زلزالاً إقليمياً لن تتوقف هزاته عند الخليج، بل ستصل شظاياه إلى ضواحي باريس وبرلين وأثينا.
إنه منطق “الاحتواء لا الانهيار”.
ومثلما أرعب سقوط صدام حسين العواصم الأوروبية، فإن سيناريو سقوط علي خامنئي اليوم يجعلها ترتعد بصمت.