دمشق تفتح أبوابها أمام موسكو: تقاطع مصالح أم تحالف إستراتيجي جديد؟

مرصد مينا
تعود روسيا إلى الواجهة في سوريا بثوب جديد، بعدما أبدت الحكومة الانتقالية في دمشق رغبتها في استئناف الدوريات الروسية بالجنوب لمواجهة النفوذ الإسرائيلي.
هذه الخطوة جاءت عقب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو نهاية يوليو الماضي، والتي أعادت رسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون بين الطرفين، حيث تسعى دمشق إلى إيجاد توازن إقليمي، فيما تعمل موسكو على تثبيت وجودها العسكري على السواحل السورية.
صفحة جديدة من التعاون الاستراتيجي
اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية السوري أطلق مرحلة جديدة من التعاون السياسي والعسكري.
الشيباني أكد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف أن الهدف هو “بناء سوريا موحدة وقوية”، مشيراً إلى تشكيل لجنتين لإعادة تقييم الاتفاقيات السابقة.
وتأمل دمشق أن يشكل هذا التقارب مدخلاً لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية، والاستفادة من الثقل الروسي على الساحة الدولية.
دوافع دمشق
يرى الباحث الأمني فايز الأسمر أن دمشق تحاول تجنب الارتهان لطرف واحد، وتسعى إلى تقليل التوترات من خلال شراكة أعمق مع موسكو. فروسيا، رغم ماضيها في الأزمة السورية، تبقى لاعباً أساسيًا بفضل قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وبالنسبة للحكومة الانتقالية، فإن الهدف لا يقتصر على التعاون العسكري، بل يشمل أيضاً فتح قنوات مع المجتمع الدولي وتسهيل إعادة الإعمار.
حسابات الكرملين بين الأمس واليوم
التحدي الأبرز أمام موسكو هو التوفيق بين دعمها الطويل لنظام بشار الأسد، وبين التعامل مع حكومة جديدة تضم في معظمها شخصيات من المعارضة سابقاً.
الدبلوماسي الروسي ألكسندر زاسيبكين يؤكد أن السياسة الروسية ثابتة في احترام وحدة وسيادة سوريا، وأن التعاون مع السلطات الحالية يصب في مصلحة الشعب ويخدم التوازن الإقليمي، خصوصاً في ظل انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل.
مصالح موسكو: القواعد العسكرية أولا
رغم الانفتاح السياسي، تبقى أولويات موسكو واضحة وهي ضمان استمرار وجود قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم.
المستشار العسكري الروسي ألكسندر هوفمان أوضح أن أحد دوافع موسكو للتقارب هو مواجهة خطر المقاتلين القادمين من آسيا الوسطى والقوقاز، الذين قد يشكلون تهديدًا مباشراً إذا وصلوا إلى الحدود الروسية عبر سوريا.
الوجود الروسي في سوريا لم يعد مجرد دعم سياسي، بل ورقة أمنية واستراتيجية لحماية مصالح موسكو في المنطقة.
براغماتية روسية وتوازن إقليمي
يرى خبراء أن موسكو، رغم خسارتها الاستراتيجية بسقوط نظام الأسد، تتعامل ببراغماتية كافية للتواصل مع القادة الجدد، وضمان مصالحها على المدى الطويل.
الباحث فرانسيسكو بيلكاسترو أشار إلى أن الوضع الجيوسياسي السوري معقد، خصوصاً مع بروز دور تركيا وإسرائيل، ما يجعل روسيا تسعى إلى شراكات مرنة تحفظ لها نفوذها دون الدخول في صدام مباشر.
مرحلة إعادة تشكيل العلاقة
العلاقات الروسية السورية تمر اليوم بمرحلة إعادة تشكيل عميقة، حيث تحاول موسكو التكيف مع قيادة سورية جديدة، بينما تبحث دمشق عن شريك دولي يوفر الغطاء السياسي والاقتصادي والأمني.
وبرغم التحديات والخلافات، يظل الطرفان متفقين على مصالح مشتركة، أبرزها حماية القواعد العسكرية الروسية، خلق توازن قوى إقليمي، وإعادة بناء الجيش السوري للحد من التدخلات الخارجية.
على الرغم من تاريخ موسكو الطويل في فرض شروطها خلال عهد الأسد، إلا أن العلاقة بين دمشق وموسكو اليوم تمر بمرحلة إعادة تشكيل عميقة.
روسيا تتكيف مع واقع جديد، مع وجود قيادات ومطالب مختلفة، وتظل مصالح الطرفين مشتركة في مجالات محددة، أبرزها حماية القواعد العسكرية، تعزيز التعاون الأمني، وتأمين استقرار المنطقة على المدى الطويل.