التجييش الطائفي: استراتيجية حزب الله في لبنان لمواجهة حصرية السلاح

مرصد مينا
لا يتأخر حزب الله في استغلال الأزمات السياسية المرتبطة بسلاحه داخل لبنان، إذ يميل دائماً إلى تحويل المواجهة من الإطار القانوني والسياسي إلى ساحة الانتماء المذهبي.
ويتجلى ذلك في تصوير أي نقاش حول سلاح الحزب على أنه استهداف للطائفة الشيعية بأكملها، وهو أسلوب اعتمده الحزب على مدى عقدين ويعود للظهور كلما اقترب النقاش من دوره الإقليمي أو من مسألة سلاحه.
في سياق النقاش الأخير حول قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة، لم يعرض الحزب المسألة على أنها مجرد خلاف دستوري أو سياسي، بل حاول تصويرها كمحاولة لنزع سلاح الشيعة، ما يرفع كلفة أي مواجهة سياسية معه ويجعلها تبدو وكأنها مواجهة مع مكون طائفي أساسي من المجتمع اللبناني وليس مع حزب سياسي فحسب.
الطائفة كدرع للحزب
تقول الدكتورة منى فياض، أستاذة علم النفس السياسي: “حزب الله استغل منذ تأسيسه لغة التجييش الطائفي داخل البيئة الشيعية، وتوظفها عند كل استحقاق سياسي أو أمني”.
وتضيف أن هذه اللغة “تحولت إلى أداة لتعبئة الشارع واستنفاره، خصوصاً عند صدور قرارات مفصلية مثل قرار حصر السلاح بيد الدولة”.
وتشير فياض إلى أن مشهد أنصار الحزب على الدراجات النارية في الضاحية الجنوبية لبيروت يعكس محاولة الحزب خلق شارع مقابل شارع، وإظهار الطائفة الشيعية بأكملها في مواجهة باقي الطوائف.
وتوضح أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل امتداد لسياسات اعتمدها الحزب منذ أواخر الثمانينات والتسعينات، حين عمل على إلغاء أي منافس داخل بيئته، مستفيداً من مؤسسات اجتماعية وخدماتية ربطت جمهوراً واسعاً به وجعلتهم يتبعونه مهما كانت الأوضاع.
وأضافت فياض أن هذه البنية الاجتماعية المذهبية شكلت أرضية صلبة لمشروع الحزب، لكنها في الوقت نفسه جعلت الطائفة أسيرة خطاب واحد، لا يقبل النقد، ويبرر أي تحرك على الأرض.
مشهدية الدراجات النارية
من جانبه يرى السياسي الدكتور حارث سليمان أن مشهد الدراجات النارية الذي شهده الشارع عقب قرار الحكومة “ليس تعبيراً عن موقف الطائفة الشيعية ككل، ولا عن حراك حزبي منظم، بل هو فعل مُدار من قبل مجموعات هامشية يوظفها الحزب لإيصال رسائل سياسية”.
وأوضح أن هذه المجموعات تنتمي غالباً إلى الفئات الأكثر هشاشة اجتماعياً، وتتحرك عبر وسطاء مع تقديم دعم لوجيستي محدود كملء خزانات الوقود أو شحن الهواتف، لتأدية استعراضات في الشارع.
ويضيف سليمان أن الهدف من هذه التحركات هو إظهار صورة وكأن الطائفة الشيعية بأكملها في حالة غضب، في حين أن الواقع مختلف تماماً؛ إذ أن الغالبية الصامتة من أبناء الطائفة لا تشارك ولا توافق على هذه الأساليب.
خطر مفتعل واستفادة إيران
ويؤكد سليمان أن هذه المشاهد ليست سوى خطر مفتعل، فهي لا تعبّر عن المزاج الفعلي للطائفة، ولا تُنتج شوارع مضادة بالمعنى الحقيقي، بل هي عرض صوتي وصوري قصير الأمد تديره أجهزة أو مجموعات مرتبطة بالحزب، ويتم إنكاره علناً عند الحاجة.
وتشير تحليلات الخبراء إلى أن الحزب نجح في ترسيخ صورة تربطه بالطائفة الشيعية بأكملها، ما يصعب فصلها عنه في الوعي العام، وهي سياسة تعود بالنفع على إيران، التي توظف لبنان كأداة في صراعها الإقليمي، من دون الاكتراث للتوترات الداخلية أو الأزمات الاجتماعية الناتجة عن هذا الخطاب.
تراجع فاعلية الخطاب التعبوي
مع ذلك، ترى فياض أن الرهان على تعبئة مذهبية شاملة لم يعد مضمون النجاح، لوجود شريحة من الشيعة لم تعد مستعدة للنزول إلى الشارع للدفاع عن الحزب أو ممارسات بعض المجموعات المتهورة.
وتؤكد أن كثيرين يدركون أن هذه التحركات تخدم فئة محدودة مرتبطة عضوياً بالمشروع الإيراني.
وتختم بالقول إن السلاح الذي يحاول الحزب تصوير نزعه على أنه نزع لسلاح الطائفة، “ليس في الحقيقة سوى سلاح إيراني القرار، يُستخدم لخدمة أهداف خارجية”، محذرة من أن استمرار هذه المعادلة يعني إبقاء لبنان في دائرة الارتهان.