fbpx

سلام يا وطن

عبر تاريخ الدولة، كل دولة، كان الجيش هو أحد عوامل بقائها، ينطبق ذلك حتى على نشأة الدولة الإسلامية وما قبلها وما بعدها من نشأة الدول. كارثة “الدولة” العربية المعاصرة، أنها بلا جيوش. قد يبدو الكلام غريباً إلى حد بعيد، غير أنه لن يكون كلاماً غريبا حين نعرف أن الجيوش العربية اختارت الفساد ولم تختر الخنادق، وبالوسع مراجعة مجموعة الحروب التي خاضتها الجيوش العربية، أقله في مواجهة إسرائيل، وتعالوا نستعيد التاريخ القريب والمرئي. حرب 1948، هزمت الجيوش العربية، و… بلا قتال. حرب 1956 انتصر الناس وليس الجيوش. حرب 1967 سقطت سيناء والجولان، وكان الجيشان السوري والمصري إما في الحفلات والمراقص وحفلات التعارف والمجون، وإما جيوش نائمة لم تستعد لحرب، ولم تتجهز لحرب. حرب 1973، هزيمة عسكرية بكل المعاني، انقلبت إلى نصر إعلامي عبر بروباغندا إعلامية لم يصدقها حتى منتجيها. حرب 1982، سقطت بيروت، وهزمت الجيوش ودافع الناس عن عاصمتهم. حرب العراق.. سقطت بغداد دون أن يستطيع الجيش العراقي حتى تدمير جسر في بغداد للحيلولة دون تقدم الجيش الأمريكي. وما من حرب ظافرة تعطي لأي من الجيوش العربية مشروعية أن يكون جيشاً، اللهم إلا اذا كانت حروب قمع الانتفاضات والإجهاز على سلطة الناس، لإشادة سلطة الحكام، حرباً مشروعة وهي حروب لن تكون مشروعة ولا بحال من الأحوال. في هكذا حال، ما الذي يتبقى للجيوش من سبب لتكون جيوشاً إذا اعتبرنا أنها: استنزاف لموارد الدولة. تعطيل لشباب الدولة وإخراجهم من قوى العمل وقيم العمل. الغاء الحياة الديمقراطية عبر حلول سلطة الثكنة محل سلطة البرلمان. هل سيدفعنا كل ما سبق للقول: تعالوا نفكك الجيوش العربية، ولتذهب بمن فيها الى الجحيم؟ لا.. سنقول كلاماً آخر.. سنقول فلتنجز الدولة شرطها كدولة: سلطة / مجتمع / جيش. السلطة ينتجها المجتمع، ولا يكون لها مشروعيتها إلاّ بتداولها وعبر الصوت الحر، والمجتمع هو مجموع ارادات الناس في انتاج سلطتهم، ولن يتبقى للجيش سوى حماية حدود البلاد ومكانه في الثكنات لا في الأزقة والحواري. ما من ذاكرة طيبة لأي من الجيوش العربية، وها هي الانتفاضات العربية تتجدد، وتنبعث بعد أن ظن الجميع أنها لن تعود، وما دام لهذه البلدان جيوش، فلتكن جيوش الثكنات، لا تلك الجيوش التي تسطو على البرلمانات. عند ذلك، بوسع المواطن حين يمر بمحاذاة عسكري، أن يلقي التحية عليه، تحية مفرداتها: سلام يا وطن.''

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى