fbpx

محمل العروس؛ الصرافة في الموروث الشعبي للشمال السوري

محمل العروس، السكرتون، الصرافة، أسماء مختلفة والمسمى واحد. يقصد بهذه المسميات ذاك الصندوق الخشبي، الذي تخرجه العروس يوم زفافها الى بيت الزوج، وهو قطعة أساسية من ضمن جهازها، وكاد أن يخلو زواج في السابق من هذه القطعة الرئيسة. يعود وجود هذا الصندوق ضمن جهاز العروس في مناطق سوريا المختلفة إلى مراحل موغلة في القدم، وتختلف تسميته من مكان الى آخر، وفي مناطق الشمال السوري، وفي الريف الإدلبي تحديداً، كان يسمى بالصرافة، ومع أننا نجهل سبب التسمية، إلا أننا بتنا نعرف الغاية التي كان يستخدم لأجلها هذا الصندوق، وتلك الصرافة. “أنا ضمن جهازي طالعت صرافة تفصيل من خشب، بلون أخضر فاقع، ولليوم ما أزال استعملها، لأضع أغراضي الخاصة بداخلها”. تخبرنا الحاجة أم عبد الله، من كفرنبل، صاحبة الخمسة والثمانين عاماً. وتضيف قائلة: “أصر زوجي المرحوم على أن تكون كبيرة الحجم نوعاً ما، زينها برسومات لزهور حمراء إكراماً لي لأنه يعلم كم أحب الزهور”. وكانت الصرافة في تلك الآونة تعدّ من أكثر الأشياء خصوصية وحميمية، بالنسبة إلى سيدات بيوت في تلك المرحلة، فيحافظن على محتوياتها من عبث الأطفال فيها، ولا يسمحن لهم باللعب بالقرب منها. سعيد العمر(٥٢) عاماً، يستذكر صرافة والدته أم خالد، فيقول: “كنت وأنا ولد صغير أشاهد والدتي المرحومة، وهي تفتح صرافتها لتضع فيها أغراضاً وتخرج أخرى بحسب الحاجة، وكان فضولي الطفولي وحب المعرفة يدفعني إلى معرفة ماذا تحتوي، لكن الوالدة كعادتها تغلق باب صرافتها وتقفل قفلها بذاك المفتاح النحاسي الكبير لينتهي كالعادة، في عب ثوبها، المكان الأكثر أماناً لها”. يتابع سعيد بقوله: “بعد وفاة الوالدة، تقاسمت وإخوتي أغراضها كعادة أهل المنطقة، فسعيت لتكون صرافتها من نصيبي، وما إن تم لي ذلك، حتى أسرعت بفتحها لأتعرف ما تحتوي”. وهنا تغلب على أبي سعيد نبرات حزن مشوبة بنوع من الحنين، “لدهشتي وإخوتي ما رأيناه داخلها لم يعدو كونه كبتي خيطان بيض (سلوك) تستخدم لخياطة اللحف والفرش، وبعض الأثواب وقطع ملابسها من مرحلة صباها وما بعده، حتى أنها حوت إبراً بعض منها علاه الصدأ أو تكسر”. يردف أبو سعيد: “على الرغم من عدم جدوى قيمة الأغراض مادياً، إلا أنها كانت تعني للمرحومة كثيراً، فحافظت عليها حتى لحظة وفاتها”. الحاج محمود الكرمو (٧٩) عاماً، وهو نجار سابق، يذكر أباه وهو يصنع تلك الصرافات، وإقبال الناس عليها، يقول الحاج محمود: “كانت تصنع من خشب ذي جودة عالية، ليس كخشب هذه الأيام، ويتقن أبي صناعتها، بخاصة غطاء الصندوق المتحرك الذي كان يلزم أن يتطابق مع الهيكل بعد إغلاقه، وهو أمر كان صعباً مع أدوات النجارة اليدوية والبسيطة التي كان يستخدمها”. يضيف الحاج محمود: “ورثت الحرفة عن والدي بطبيعة الحال، وفي بدايات عملي كنت أصنع الصرافات، لكن بعد مدّة خف الطلب عليها، إلى أن تلاشى بالكامل، وتحولت صناعتنا إلى محامل الفرش ذات الأبواب والدروج، إضافة إلى الخزائن”. اختفت هذه الصناعة اليوم من ورشات النجارة في إدلب وريفها، لتحل مكانها، نجارة الموبيليا الحديثة، من خزائن وطاولات وغرف جلوس وطعام، في ظل ما شهدته حرفة النجارة من تطور وتقنيات وحداثة. لكن السكرتون كان وما يزال مستخدماً بدرجات متفاوتة، في مدينة حلب وبعض أريافها، وهو الاسم التركي لما عرف بالصرافة، ولكن سكرتون هذه الأيام أكثر زخرفة، وتأثراً بالحداثة، بحيث راح يطابق بقية أثاث غرفة نوم العروس، لكنه ظل محافظاً على خصوصية سيدة المنزل، مع تبدل طرأ على حجم المفتاح والقفل، الذي يغلق بوساطته باب السكرتون أو الصرافة، ليعطي محتوياته صبغة السرية ويثير فضول أطفال اليوم كما أطفال الأمس. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى