وقد بات “الطبل” في غزة والعرس في الضفة
زاوية مينا
المجزرة تتلو المجزرة، حتى فقدت الحرب مجموع أهدافها لتتحول إلى مجرّد “استمتاع بالقتل”، يحدث ذلك والسؤال الذي يستوجب كتابته بحروف نافرة:
ـ كيف لهذا العالم أن يتحوّل إلى هذه الازدواجية الصارخة بالمعاير؟ كيف له معاقبة روسيا بسبب القرم، والسكوت عن إسرائيل لافي غزة ولبنان فحسب، بل وفي الضفة الغربية كذلك؟
الأنظار، كل الأنظار تتركز اليوم على الجنوب اللبناني، على حجم الكوارث التي تشهدها قرى الجنوب وصيدا وصور والنبطية، فيما ستمتد الجرائم إلى الضفة الغربية، الضفة التي لم تتسع للسينوار ولا لحسن نصر الله؟
ها آرتس، هي من اختارت العنوان، ففي “الضفة” ووفق ها آرتس “تم استكمال الانقلاب النظامي قبل بضعة أيام. لا، ليس في إسرائيل. قلائل يدركون ذلك، لكن حكومة بن غفير – سموترتيش – نتنياهو، تآمرت على تنفيذ انقلابين نظاميين، واحد في إسرائيل والآخر في الضفة الغربية”.
كيف كان ذلك؟
الإنقلاب الأول يهدف إلى القضاء على فصل السلطات واستقلالية جهاز القضاء وإيجاد منظومة حكم دكتاتوري في إسرائيل. والثاني يهدف إلى ضم الضفة الغربية وتثبيت التفوق اليهودي فيها.
أما عن الإنقلاب الأول، ولمنعه فقد خرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع، لكن لا أحد منهم خرج إلى الشوارع لمنع الانقلاب الثاني، والسبب: ما هو السيئ في زيادة تفوق اليهود قليلاً؟
الانقلاب النظامي في الضفة نفذ بناء على تعهد نتنياهو لسموتريتش في الاتفاق الائتلافي، الذي ينص على نقل جميع الصلاحيات السلطوية في الضفة الغربية، باستثناء المتعلقة بالأمن، من الجيش إلى جهاز يترأسه سموتريتش.
حدث هذا الأمر في نهاية مايو/أيار، بهدوء وبدون احتفال وبيانات للمتحدثين بلسانه، إذ وقع قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس، على أمر لخلق وظيفة جديدة في الإدارة المدنية، وهي نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية. ووقع رئيس الإدارة المدنية على وثيقة تفويض الصلاحيات لهذا النائب.
لكن هذا “النائب” والكلام لـ “هاآرتس” هو شخص مدني يعينه سموتريتش، وهو ليس نائباً تماماً، لأنه لا يخضع لرئيس الإدارة، لقد نقل كل صلاحيات رئيس الإدارة المدنية إلى هذا النائب: إدارة الأراضي في الضفة، والتخطيط والبناء، والرقابة وتطبيق القانون على البناء غير القانوني، والرقابة وإدارة السلطات المحلية، والرخص المهنية، والتجارة والاقتصاد، وإدارة المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية.
قام سموتريتش بحقنة شرجية إدارية (العفو على التعبير) لرئيس الإدارة المدنية وأفرغه من كل صلاحياته، فيما تنتقل السلطة في الضفة فعلياً من الجيش إليه من خلال النائب عينه هو.
إذا وصفنا الأمور بطريقة تصويرية، فثمة ضابط مع لقب “رئيس الإدارة المدنية” يتجول منذ التوقيع على الأمر، في “بيت إيل” [مستوطنة]، لكن إذا أخذنا في الحسبان كل صلاحياته الجديدة فيبدو أنه عاطل عن العمل، ويمكنه تكريس وقته لتنظيم نشاطات ثقافية وترفيه لمرؤوسيه. يجب على أحد ما أن يخبره بأنه يبدو رأساً بدون جسم.
نقل الصلاحيات هذا من ضابط يخضع لقائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة إلى مواطن يخضع لبؤرة استيطانية أقامها سموتريتش في وزارة الدفاع، إنما يحمل معاني أكثر بكثير من تغيير الأدوار وترتيبات العمل.
هل يدور الحديث عن انقلاب دراماتيكي في مبنى الحكم في الضفة الغربية، من أراض تدار بحكم عسكري، الذي يأمره القانون الدولي بالاهتمام بمصالح السكان الواقعين تحت الاحتلال، إلى أراض تدار مباشرة من قبل موظفي إدارة وشخص انتخبه الجمهور في إسرائيل، إلى إدارة إخلاصها الوحيد هو -حسب التعريف- لمواطني إسرائيل بشكل عام، ومواطني إسرائيل الذين يعيشون في المناطق المحتلة بشكل خاص.
لفهم هذا التغيير الدراماتيكي، يجب فهم ما الذي أراد القانون الدولي تحقيقه عندما حدد بأن المناطق المحتلة يجب إدارتها بحكم عسكري؟
القانون الدولي ينظم وضع الاحتلال كإدارة مؤقتة للمناطق التي يسيطر عليها المحتل، ويحظر ضمها بشكل أحادي الجانب. هذا ليس مجرد حظر، بل قاعدة رئيسية استهدفت ترسيخ الحظر على استخدام القوة غير الضرورية للدفاع عن النفس.
إذا كان واضحاً أنه لا يمكن الحصول على صلاحيات بقوة الذراع، فسيكون هناك قدر أقل من الدافعية للحروب. أي أن الحديث يدور عن مبدأ هو جزء من قلب النظام العالمي الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يهدف للقضاء على الحروب.
الهدف من القول بأن المناطق المحتلة يجب إدارتها بحكم عسكري، وليس بشكل مباشر للحكومة المحتلة، هو خلق حاجز ما بين مواطني الدولة المحتلة، الذين هم السيد فيها، وبين السلطة التي هي في المناطق المحتلة.
يرتكز هذا النظام إلى الإدراك بأن الجيش ملزم بدرجة أقل لاعتبارات سياسية، في حين أن وزارات الحكومة المنتخبة ملزمة بهذه الاعتبارات حسب التعريف. نقل صلاحيات الحكم العسكري إلى موظفي الحكومة المحتلة ومنتخبي الجمهور فيها، يخلق سيطرة مباشرة لمواطني الدولة المحتلة على المناطق المحتلة، وهكذا تتوسع خطوط السيادة لتصل إلى أراضي المناطق المحتلة، أي الضم.
هذا ما نجح سموتريتش في فعله. فقد أخرج الجيش والمستشار القانوني العسكري، من عملية اتخاذ القرارات إزاء كل ما لا يتعلق بالأمن في الضفة الغربية. وعملياً، طبق فيها السيادة الإسرائيلية.
لذلك، يوجد وستوجد أيضاً معان كارثية لحقوق الفلسطينيين. القليل من القيود التي ما زال الجيش يفرضها على الطرد والمس بالفلسطينيين ستتم إزالتها الآن.
أعضاء “ريغفيم” و”منتدى كهيلت” و”حنونو”، الذين عينهم سموتريتش للمهمات ذات الصلة بالحكم الإداري الجديد في الضفة، وبالأساس لأدوار مستشارين قانونيين، سيرفعون القليل من الكوابح وسينقضون على الشاة الفلسطينية الضعيفة ويذبحونها ويمزقون جلدها، وسيقطعون لحمها ويمصون عظامها.
هذا ما يحدث الآن. ستقام مستوطنات جديدة وسيتم بناء أحياء جديدة بوتيرة غير مسبوقة، وسيحصل إسرائيليون عنيفون على المزيد من التخصيصات البالغة عشرات آلاف الدونمات لإقامة المزارع والمباني للفلسطينيين التي لا رخص بناء لها، وستهدم بوتيرة عالية جداً، في حين سيشرعن البناء غير القانوني للمستوطنين.
الخجل الكبير هو أنه لا أحد يحتج، سواء في إسرائيل أو العالم. هذا العالم نفسه، الذي فرض عقوبات شديدة على روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم بشكل إجرامي ثم ضمت المناطق التي احتلتها بعد غزو أوكرانيا، دخل إلى حالة صمت، بل لا ينبس ببنت شفة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. صحيح أن العالم يطبق على إسرائيل معياراً مختلفاً، لكن خلافاً لهراءات الدعاية الإسرائيلية، يدور الحديث عن تمييز في صالح طرف معين خلافاً للقانون.
الأمر الوحيد الذي يقوله مجرمو الضم لأنفسهم الآن هو: لماذا انتظرنا 57 سنة؟ في حين الأمر بسيط جداً.