fbpx

إدلب: الغذاء الفاسد بيد التاجر الفاسد والصيغة الفاسدة

كادت الطفلة مرح تفقد حياتها بعد تناولها وجبة من لحم دجاج مجمد لولا قيام والدتها بالإسراع في إسعافها إلى أقرب مشفى. هذه ليست حالة استثنائية، فقد بات من المتداول، بل وحديث الناس اليومي، أن الباد طفحت بالأغذية الفاسدة، تلك التي يستغل عدد من التجار والمنتفعين الفلتان الأمني الحاصل في إدلب لاستيرادها، وهي مواد غذائية منتهية الصلاحية دون مراعاة الظروف المعيشية والاجتماعية والمادية المتردية التي يعيشها المواطن، وسط تجاهل المعنيين للمشكلة التي تعرض حياة الكثيرين للخطر، أمام افتقار المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام لأي جهة محلية تعمل على مراقبة مواصفات المواد الغذائية التي تباع في الأسواق، وتشرف على شروط التخزين ومحاسبة المخالفين. والدة مرح من مدينة إدلب تروي لـ (مينا) ما حصل مع ابنتها قائلة: “رخص ثمن اللحوم المجمدة يدفعنا إلى شرائها بين الحين والآخر، ولكن في إحدى المرات وبعد تناولها بدأت ابنتي بالتقيؤ، وارتفعت حرارتها وشعرت بمغص شديد في معدتها، فشعرت بخطورة الأمر وهرعت بها إلى المشفى، حيث تم إجراء الإسعافات اللازمة لها “. تشدد والدة مرح على أهمية ضبط الأسواق وكشف الأغذية الفاسدة ومحاسبة بائعيها مضيفة بحزن بالغ: “الفقر يدفعنا لاستهلاك سلع مغشوشة أو مشكوك بسلامتها، لأن الدخل القليل لا يمكننا من شراء اللحوم والسلع الطازجة.”

  • سوء تخزين في المستودعات

يسعى بعض التجار لتحقيق الكسب المادي والإثراء على حساب قوت الأهالي ولقمة عيشهم، والاستهتار بطرق التخزين السليمة لبضائعهم. وليد حاج حمدو من معرة النعمان يمتلك متجراً لبيع المواد الغذائية يقول: “ظروف الحرب تجعل معظم مستودعات تخزين المواد الغذائية تفتقر إلى الاشتراطات الصحية الواجب توافرها، فنحن كتجار نمر بظروف صعبة وضغوطات يجب مراعاتها، لأننا غير قادرين على توفير الظروف الملائمة لتخزين المواد في ظل انقطاع الكهرباء، وطول فترة وصول المواد من المصدر، الأمر الذي يجعل مدة صلاحيتها قليلة”. أبو عادل من بلدة تلمنس بريف إدلب يدين تجار الحروب الذين يستغلون الوضع لتمرير بضائع بمواصفات رديئة، وعن ذلك يقول: “اشتريت منذ فترة كمية من الألبان والأجبان من أحد المعامل لبيعها في متجري، فاكتشفت أن صاحب المعمل يقوم باستخدام الحليب المجفف مسحوب الدسم، والغش عبر استخدام النشاء، وعند مواجهته بالحقيقة نفى ما نسب إليه بشكل قاطع، وخاصة أن مناطقنا تفتقر إلى وجود جهة تقوم بمهمة حماية المستهلك ومراقبة عمل المصانع”.

  • حليب أطفال وأدوية منتهية الصلاحية

يتم إدخال الدواء إلى المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام من تركيا ومناطق النظام دون فحصها، مما يجعل البعض يدخلون حليب أطفال وأدوية منتهية الصلاحية وطرحها في الأسواق بعد تغيير مدة صلاحيتها بلصاقة جديدة . وليد الشيخ طه من معرة النعمان اشترى من إحدى الصيدليات مضاداً حيوياً لمعالجة ولده من الزكام ليتفاجأ بأنه منتهي الصلاحية وعن ذلك يقول: “بعد استعمال الدواء تراجعت صحة ولدي البالغ من العمر عشرة أشهر، دون أن تظهر عليه أي بوادر تحسن، فقمت بمراجعة الطبيب الذي أكد أن الدواء منتهي الصلاحية منذ أكثر من ستة أشهر”. أما الطفلة عبير الكامل من بلدة جرجناز بريف إدلب، فقد أصيبت بتسمم غذائي نتيجة تناولها حليب أطفال منتهي الصلاحية وعن ذلك تتحدث والدتها قائلة: “اشتريت علبة حليب من إحدى الصيدليات، وبعد استعمالها بدأت تظهر على ابنتي أعراض التسمم من قيء وإسهال، فاكتشفنا لاحقاً أن الحليب منتهي الصلاحية، ولكن البائع أخفى ذلك بلصاقة جديدة”.

  • خطر المواد منتهية الصلاحية على الصحة

الصيدلاني عمر البكري من مدينة التمانعة بريف إدلب يتحدث عن خطر الأدوية التي انتهت صلاحيتها بقوله: “تتكون الأدوية من مواد كيميائية مختلفة، وهذا الخليط يحافظ على صلاحيته لمدة محددة، حيث أن المواد التي تم استعمالها لتصنيع الدواء في البداية تتغير وتتحول مع الوقت إلى مواد ضارة وسامة تضر بشكل أساسي بجسم الإنسان، لأن انتهاء صلاحية الدواء تؤدي لنقص المادة الفعالة من الدواء، وانتهاء تأثيره، حيث أن فاعليته تبدأ في التناقص التدريجي كلما مر الوقت عليه”، ويؤكد أن الكبد هو أول أعضاء جسم الإنسان تضرراً، لأنه العضو المسؤول عن التخلص من المواد السامة في الجسم، وهو لن يتمكن من التعامل معها حتى لو كان الكبد سليماً بشكل كامل، ففي حال تناول الأدوية منتهية الصلاحية وإصابة الكبد وعدم تلقي العلاج المناسب فإن ذلك سيؤدي إلى تضرر الكبد بشكل كامل لينتقل ذلك إلى الكلى ثم المخ وبعدها إلى القلب”. أما عن خطر الحليب الفاسد فيضيف قائلاً: “من المعروف أن حليب الأطفال يجب أن يضم بعض العناصر النادرة التي تلعب دوراً في نمو الطفل ونمو جهازه العصبي والحركي وفي عملية إفراز الهرمونات، لذلك يفقد الحليب قيمته الغذائية في حال نقص هذه العناصر، فيصبح مجرد مادة غذائية يأخذها الطفل لتأمين احتياجاته الحافظة للحياة”. ويؤكد البكري بأنه “في حال انتهاء صلاحية الحليب يبدأ بالأغلفة والعبوات التي يوضع فيها، فتتحلل الطبقات الملامسة للأغذية مما يؤدي إلى خروج العناصر التي يمكن أن تكون ذات تأثير سمي تراكمي من الأغلفة باتجاه الأغذية”. خبير الأغذية أحمد شماس من مدينة إدلب يتحدث عن مخاطر الأغذية الفاسدة بقوله: “تزداد المواد المغشوشة والمنتهية الصلاحية في الأسواق المحلية وخاصة في فصل الصيف، كما أن الكثير من المستهلكين يعمدون إلى شرائها حتى لو كانت غير موثوقة للاستعاضة بها عن السلع والمواد التي لم يعد بمقدورهم شراءها بعد ارتفاع سعرها بشكل كبير، وانخفاض القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين “. ويبين الشماس بأن “فترة صلاحية المنتج تختلف بحسب السلعة وحساسيتها وخواصها، وطريقة تخزينها ونقلها وتوزيعها وطبيعة العبوة التي توجد فيها، علماً أن انتهاء مدة صلاحية الأغذية يعني أن المنتج أصبح فاسداً ولابد من التخلص منه”، ويشدد على “عدم تناول المنتج بأي شكل من الأشكال حتى وإن مرت أيام قليلة على انتهاء صلاحيته، لأنه يعرض صاحبه لمخاطر صحية كبيرة “.

  • محاولات محدودة لضبط الأسواق

الرائد حسين حسيان رئيس فرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة يتحدث لـ مينا قائلاً: “قامت الشرطة الحرة خلال بتاريخ ٩/٨/٢٠١٧ بضبط كمية من لحم الدجاج الفاسد وإتلافه في قرية مشمشان بريف إدلب، إضافة إلى مصادرة كمية من بطاطا الشيبس من أحد المخيمات وإتلافها بتاريخ ٢٥/٧/٢٠١٨ وأخذ تعهد على صاحب المحل التجاري بعدم بيع أغذية منتهية الصلاحية، كما تم بموجب شكوى من أحد المواطنين مصادرة كمية من علب البسكويت منتهية الصلاحية وحرقها وأخذ تصاريح بعدم بيعها، إضافة إلى إتلاف كميات من دبس البندورة وعلب الحليب والأدوية أيضاً “. ويبين الحسيان بأن لجان الصلح التابعة للمحاكم في إدلب تقوم بمهمة تلقي الشكاوى عن توزيع أو بيع المواد المنتهية الصلاحية. محمود القدور أحد أهالي معرة النعمان يقول: “تعيش الأسواق فوضى عارمة نتيجة غياب الرقابة واستغلال التجار احتياجات السوريين، لاستيراد سلع مهربة كالتمر واللحوم المفرومة فضلاً عن بيع أغذية مكشوفة مجرثمة”. ويطالب القدور بـ “تشديد العقوبات والغرامات على حالات التهريب وفوضى الأسواق، بحيث تكون عقوبات قاسية ورادعة محملاً المجالس المحلية مسؤولية التساهل في هذا الموضوع باعتبارها المعنية بمتابعة أمور المواطنين التموينية والغذائية وسد الفراغ الذي تركه غياب مؤسسات الدولة”. أمام خطورة هذا الواقع قام المجلس المحلي في مدينة أرمناز بريف إدلب الغربي بتشكيل لجنة من شأنها ضبط الأسعار وفرض الرقابة على المواد الغذائية بهدف حماية المستهلك، وذلك بعد ملاحظة انتشار بعض أطعمة الأطفال والمواد الإغاثية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر تباع في الأسواق. أبو محمد أحد أعضاء المجلس المحلي في مدينة أرمناز يتحدث عن عمل اللجنة قائلاً: “بدأت اللجنة عملها في ٢١ آب عام ٢٠١٧ وهي مكونة من ثلاثة أعضاء، تعمل على تسيير جولات تفقدية في الأسواق بشكل دائم، ومن صلاحياتها مصادرة المواد المخالفة وإتلافها، فضلاً عن فرض عقوبات مادية والتحويل إلى القضاء في حال التكرار”، ويتابع مؤكداً ان اللجنة تعمل على مراقبة المواد الغذائية وصلاحيتها ومصدرها وسعرها بشكل مستمر دون التقيد بوقت أو موعد محدد، كما تتعاون مع المحكمة في تنفيذ العقوبات التي قد تصل إلى إغلاق المتجر بشكل نهائي. لا يتوقف تجار الحرب عن التساهل والتلاعب بقوت السوريين، واستغلال الفوضى وغياب السلطات التنفيذية الرادعة لبيع الأغذية الفاسدة بغض النظر عن تأثيراتها، وكأن المواطن السوري لم يعد يكفيه الاكتواء بنار الحرب والغلاء حتى يكون عرضة لمخاطر الغذاء الفاسد والملوث!. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى