fbpx

تريدون حرباً؟ حاربوا

أن يقصف الطيران الإسرائيلي مواقع عسكرية في مدينة حلب السورية، هذا ليس اختراقاً لجدار الصوت.. هذا اختراق لأطول شعار ردّده النظام السوري، وقد احترف الكلام بـ “الصمود”، “التصدي”و”المقاومة”. والحال كذلك ما الذي تعنيه ديمومة الشعار؟ بل وما الذي يعنيه، ذلك الخطاب الذي يؤكد أنه: لا سلم، لا مفاوضات. ما الذي يعنيه سوى تكرار لاءات لم تكن لا، في أي وقت؟ في خمسينيات القرن الفائت، كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، قد اقترح على العرب السلام مع اسرائيل، وكان الرد العربي (والناصري على وجه التحديد)، تخوين بورقيبة، مع أن كلام سلام الخمسينيات، كان يعني دولة فلسطينية، وحتماً كانت الضفة الغربية من ضمن الدولة وفي حدودها الجغرافية، ولم تكن الجولان قد سقطت بيد إسرائيل.. في الـ 67 كانت النكسة، وهي التعبير المهذّب عن الهزيمة، وخسرت مصر سيناء، وسقطت القنيطرة من الجسد السوري، وراحت الضفة الى الاسرائيليين، وبعدها باتت الشعارات، كل الشعارات قد انتقلت من “رمي اليهود في البحر”، إلى القبول بالعودة إلى ما قبل حدود الـ 67. وفي مفاوضات مدريد مطلع تسعينيات القرن الفائت، كان الكلام يدور حول استعادة سوريا للجولان، تحت شعار “الأرض مقابل السلام”، وكل العناد (المقاوم انحصر في لمن تكون إدارة مرصد جبل الشيخ)، وذهب حافظ الأسد لمأثرته الشهيرة، وكانت مأثرته أنه لن يرضى بأقل من أن يغسل قدميه في مياه طبريا، ورحل  حافظ الأسد، وما عادت طبريا، وهاهي طبريا وكل الجولان بيد الإسرائيلي، وبات من الوهم، التفكير، ولو لمجرد التفكير، لا أن يغسل قدميه في مياه طبريا.. لا .. أن يكون له قدمان، مجرد قدمان، فالكساح قد أصاب الرئيس الإبن، حتى باتت الطائرات الإسرائيلية، تمارس نزهات يومية فوق دمشق، ومحيط دمشق، وهاهي تصل حلب، وليس مستبعداً، أن تمتد الطلعات الجوية الإسرائيلية، متى شاءت، وكيف شاءت، وفي الزمان والمكان اللتين تشاءهما. خوّن السادات، لأنه استعاد سيناء بالمفاوضات. حسناً. ما الذي استعاده نظام الصمود والتصدي بـ (الحرب)؟ لم ينجز سلاماً، ولم يخض حرباً سوى على ناس البلد، وكل كلام في السلام (خيانة)، ما يدعونا لتفسير الخيانة، متى تكون؟ وكيف تكون؟ الخيانة أن تبدد موارد البلاد، وشباب البلاد، ومستقبل البلاد، فتاريخ المتحاربين لم ينته يوماً سوى بواحد من احتمالين: إما الهزيمة الماحقة لأحد أطراف الحرب. وإما التوازن بصيغة لاغالب ولا مغلوب، وهي الصيغة التي تقود إلى مفاوضات، تتضمن تنازلات، يعقبها سلام. الهزيمة الماحقة حصلت، وأبسط تعبيراتها المشهد المتكرر لطيران اسرائيلي يقصف، وقوات سوريّة تؤجل الرد، وحين يأتي الكلام عن توازن الردع، وهو التعبير المستخدم من إعلام النظام، بشقيه (إعلام حزب الله وإعلام البعث)، فلابد أن يكون كلاماً مدعاة للسخرية والملهاة، وإذا لم يكن كذلك وكان التوازن بالفعل، فالحالة تحتّم إما الذهاب إلى الحرب، أو القبول بتسوية وسلام، وكلاهما بات اليوم مستحيلاً، أقلّه والإسرائيليون غير عابئين ما بعد دمار سوريا، لا بالقرار السوري، ولا بالصواريخ السورية، ولا بالخطابات ولغة الإنشاء. اليوم ندرك، هشاشة، وسخافة، خطابات الأمس. كل المسألة يمكن القول عنها باختصار: ناس خارج الزمن.. بعد أن أضاعوا الزمن، فلم ينتصروا بحرب ولم ينجزوا سلاماً، والدمار كل الدمار بات الصيغة الراسخة فوق أكتاف البلاد. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى