fbpx

مشكلات اليافعين في مناطق قسد

يواجه اليافعون في مناطق قسد مشكلات كثيرة تمنعهم من ممارسة حياتهم ممارسة طبيعية، في ظل المتغيرات الصعبة التي خلفتها الحرب السورية خلال السنوات الماضية، محاولين التغلب على المصاعب التي يواجهونها، في منطقة مدمرة تحاول أن تعيد بناء نفسها. تعدّ الأمم المتحدة كل من هم تحت سن الثامنة عشرة أطفالاً، بحسب اتفاقية حقوق الطفل التي تشكل ميثاقاً دولياً يقر حقوق الأطفال المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، يصنف كثير من الباحثين الأطفال بين سن عشر سنوات و18 سنة بوصفهم (يافعين). وهم من أكثر الفئات المتأثرة بتداعيات الحرب السورية بحسب الأمم المتحدة، ما دفع (جيرت كابيليري) -المدير الإقليمي في يونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- إلى التعبير عن ذلك في بيان إعلامي له قائلاً: ’’ إن الأطفال السوريين تحملوا قسماً كبيراً من نتائج هذه الحرب’’ مؤكداً أن كثيرين منهم سيحمل ندوبها مدى الحياة.

  • ذاكرة مشوهة

’’ أشعر أني أفقت متأخراً، وأحتاج إلى كثير من الوقت لتعويض مافاتني’’ بهذه الكلمات يصف محمد العلي -15عاماً أحد سكان ريف الرقة- ما يشعر به اليوم. كبر هذا اليافع في سنوات الحرب السورية ليجد نفسه في منطقة مدمرة تحاول أن تعيد بناء نفسها، وسط نزاع مستمر، وأوضاع غير مستقرة شكلت ذاكرته فيها وقائع القصف والقتال وذكريات التنظيمات الجهادية التي حكمت المنطقة سنوات عدة، مطالباً بالعمل في سن مبكرة لمساعدة ذويه في تكاليف حياتهم. لم يغادر محمد مدينة الرقة في أثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة وقد تعرض نتيجة ذلك للتحقيق معه مرات عدة من قبل عناصر قسد، ووُجِّهت التهم إليه وإلى والده بالانتساب إلى التنظيم لأن عدداً من أبناء قريته وأقاربه كانوا ضمن صفوف التنظيم المتطرف. ما يزال هذا اليافع يستفيق ليلاً بسب الكوابيس المزعجة عن القصف والجثث المتناثرة وأصوات الرصاص، على الرغم من مرور أكثر من عام على انتهاء المعارك في الرقة وسيطرة قوات قسد عليها في 20-10-2017. إذ ما تزال المدينة غير مستقرة أمنياً وأصوات الرصاص والانفجارات تعكر صفوها بين الحين والآخر. لم تجدِ نفعا محاولات محمد كلها نسيان ما مرّ به -وتلك الصور المرعبة كلها في ذاكرته- لاستكمال حياته، يتساءل بلهجته المحلية وببراءة عن الذنب الذي اقترفوه ليعيشوا هذا الواقع المعقد ’’ شنو ذنبنا حتى نكبر قبل عمرنا’’ مؤكداً أنه لا يفهم كثيراً مما حدث هنا، لكنه يحاول أن يعيش بسلام مع من بقي من أهله. على الرغم من أن كثيراً من اليافعين في الرقة دخلوا المدرسة محاولين استدراك تعليمهم عبر دروس مكثفة، إلا أن الأغلب لا يمتلكون مثل هذه الفرصة بسب أوضاع عملهم التي لا تتلاءم في كثير من الأحيان مع أعمارهم، وتغيب الرقابة عما يتعرضون له من مشكلات. يفترض أن يكون محمد اليوم في نهاية المرحلة الإعدادية لكنه لا يعرف حتى اليوم أي حرف، ويعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم أجيراً في أحد محال تصليح السيارات، مبدياً رغبته في التعلم ومحبته لدخول المدرسة وأن يكون ’’ محترماً’’ على حد تعبيره، يحمل كتبه إلى المدرسة كل يوم ويرتدي ثياباً نظيفة مثل من في عمره لكن عمله وحاجته المادية يمنعانه من ذلك ’’ أشعر بغصة ومرارة في نفسي كلما شاهدت من في عمري وهم يعيشون مراهقتهم وقد حصلوا على التعليم واللعب والأمان’’. مؤكداً أنه يكره حياته ويغضب على حاله أحياناً عندما يتعرض لمواقف سيئة في أثناء عمله قائلاً: ’’ قد نسمع كلاماً قاسياً أو نظرات مسيئة أو حتى تصرفات خاظئة ممن هم أكبر منا سناً’’ لكن؛ مع ذلك كله يحمد ربه على كل حال. وتتنوع المهن التي يمارسها اليافعون في مناطق قسد بين الزراعة، والأعمال اليدوية كالحدادة، والنجارة، والمكنيك والبناء والبيع، يصف ذلك عمر العلي 17 عاماً من مدينة الطبقة قائلاً لمرصد مينا: “إن اليافعين يعملون في مهن بعضها شاق وأغلبها لا تراعي حالتهم الصحية. والجسدية وقد تكون ضارة لهم”. يعمل عمر في بيع المحروقات منذ أكثر من عام، وقد أصيب بمرض جلدي نتيجة ذلك لكنه مجبر على مواصلة عمله لأن ربحه جيد وسهل مقارنة بغيره كما يقول، وقد تعرض لكثير من المشكلات التي تمكن من التغلب عليها، ويتمنى أن يبتعد عن التدخين الذي يواظب عليه منذ 5 سنوات شارحاً أنه أسهل من غيره، ذلك أن عدداً من أقرانه يتعاطون الحشيش والكحول أو المواد المخدرة، و(الحبوب) أي حبوب المسكن والأعصاب، وبحسب عمر فهذه الأصناف منتشرة من دون وجود رقابة كافية عليها، موضحاً أن هذا غلط التجار الذين يبيعون مثل هذه المواد للأطفال والمراهقين. يبتسم عمر بسخرية عند الحديث عن أضرار التدخين قائلاً بلهجة محلية: “ليش شو في زابط بحياتنا”؟ حالماً ببناء منزل والزواج أما بالنسبة إلى التعليم فيرى أنه كبر عليه قائلاً: “راحت علينا”، وهو يخشى اليوم من سوقه إلى التجنيد الإجباري الذي تفرضه قسد في مناطقها؛ حيث تعتقل اليافعين وتسوقهم إلى التدريب والقتال في صفوفها.

  • فئة هشة

يعدّ عدد من الدراسات النفسية هذه المرحلة العمرية من حياة الإنسان مهمة في تكوين شخصيته، وبالغة الـتأثير في حياته كلها وتحديد توجهاته المستقبلية، وتصرفاته، ويميز الناشط الإعلامي سليمان الطه بين اليافعين من 10 وحتى 15 عاماً؛ وهؤلاء هم الأكثر تأثراً وهشاشة بحسب هذا الناشط ولا يمتلكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم ، إذ يحتاجون إلى الحماية، والمراقبة النفسية، والصحية، والقانونية حتى لا يكونوا عرضة للإساءة والاستغلال ممن هم أكبر منهم، وأيضاً هم معرضون للتنمر ممن هم في سنهم في بيئة مفتوحة وغير آمنة لا تضمن لهم سلامة نموهم، واليافعين من 15 وحتى 18 عاماً الذين هم أكثر قدرة على الدفاع عن أنفسهم، لكنهم يبقون بحاجة إلى الدعم والرعاية، قائلاً لمرصد مينا: ’’تشكل فئة اليافعين نسبة لا يستهان بها في سوريا عموماً، ومنها مناطق الشمال الشرقي الخاضعة لسيطرة قسد’’ مشيراً إلى أهمية هذه الفئة ليس فقط في عددها ولكن أيضاً لأنها محورية تساهم في تحديد مستقبل المنطقة. كان عدد من التقارير الدولية والمحلية قد أكد أن كثيراً من اليافعين السوريين يعانون أمراضاً نفسية كالرهاب والصدمات النفسية الناتجة من الحرب، وبعضهم يعاني إعاقات بدنية سترافقه بقية حياته، يحتاج إلى تعلم طرائق التكيف معها والحصول على الدعم الصحي والنفسي والتعليمي والمهني الذي يمكنه من متابعة حياته. على الرغم من حركة البناء والإصلاح في المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية إلا أنها ما تزال بحاجة إلى كثير من الجهد لسد النقص في ميادين التعليم والصحة والدعم، وبخاصة في مجالات التعليم والرعاية بالأطفال واليافعين، حيث كانت التنظيمات الجهادية تصب كثيراً من جهدها على هذه الفئة وسبب ذلك بحسب الطه هو ’’جعلهم حواضن لأفكارها والاعتماد عليهم في ما بعد’’ مشيراً إلى أن كثيراً من الأطفال واليافعين تلقوا تدريبات على القتال في معسكرات التنظيم وخضعوا لدورات عقائدية وفكرية.

  • صور مؤلمة

مشهد هؤلاء اليافعين في مناطق قسد يصفه ملهم 25 عاماً من مدينة الطبقة ’’بالمؤلم’’ فهم بلا حقوق أو ضمانات وهم وحيدون بلا داعم أو مساعدة لحمايتهم مما يتعرضون له، وبخاصة في منطقة تغيب عنها الرقابة والاهتمام الكافي بهذه الشريحة العمرية التي تشكل أساساً لمستقبل المنطقة، وتحتاج إلى التمكين لضمان مستقبلها. مضيفاً أن ما يزيد من معاناة اليافعين والأطفال أن كثيراً منهم تعرض لمشكلات نفسية عدة، فضلاً عن مرورهم بتجارب سيئة بالنسبة إلى أعمارهم، فرضتها عليهم الأوضاع المحيطة وحالة العنف المفرط والنزاعات المستمرة، وبعضهم عانى حالة فقد أشخاص مقربين منه كأحد أفراد العائلة، وبخاصة من فقدوا أحد الأبوين أو كليهما، فمثل هذه الصدمات النفسية تحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها وتترك أثار بعيدة المدى في حياة الإنسان. يعمل ملهم مدرساً ومرشداً نفسياً في أحد المراكز التعليمية المدعومة من قبل إحدى المنظمات الغربية، مؤكداً أن الجهد المبذول من قبل السلطات الحالية والمنظمات الموجودة غير كافٍ، مقدماً لمرصد مينا أسباباً عدّة لذلك منها: ’’قلة القدرات المتوافرة وحجم الحاجات الكبير’’، شارحاً أن هناك حاجة إلى توسيع الكوادر التي تساعد اليافعين في التعليم وتأمين متطلباتهم وأبرزها وجود مراكز لتقديم الدعم النفسي والطبي قائلاً: ’’خلفت الحرب عدداً من المشكلات النفسية والصحية عند الأطفال واليافعين’’. أبرز الأمور التي تحتاج إلى معالجة بحسب هذا الشاب هي تنمية وعي اليافعين الذي عُزلوا مدّة طويلة عن العالم الخارجي وعاشوا في أوضاع غير طبيعية، فقد شهدوا متغيرات حياتية صعبة، وذاكرتهم مشوهة تقتصر على أيام الحرب، ثم إنهم عايشوا التطرف سنوات طبعت في إدراكهم مشاهد غير صحية، وبخاصة ما خلفته التنظيمات المتطرفة التي عملت مدّة طويلة على استقطابهم وزرع أفكارها فيهم، وهؤلاء يحتاجون إلى معاملة خاصة وكثير من الاهتمام والرعاية لإعادة تأهيلهم. مشدداً على ضرورة استقطاب هؤلاء اليافعين وتخليصهم من أثار الحرب والتطرف، فضلاً عن حاجتهم إلى إعادة غرس قيم المحبة والإخاء والحرية والمساوة في أنفسهم، إذ غاب كثير من هذه القيم في أثناء المرحلة الماضية، ما جعل الأطفال واليافعين يشعرون بالغربة نتيجة انتقالهم من حال الى آخر خلال فترات قصيرة، قصيرة بسب عدم الاستقرار في المنطقة وتبدل القوى المسيطرة على الأرض، فمثل هذه الأوضاع تحتاج إلى مدد طويلة للتكيف معها. وقد أكد عدد من المرشدين النفسيين الذين تواصل معهم مرصد مينا أن ما تعرض له الأطفال واليافعون السوريون خلال السنوات الماضية جعلهم يحتاجون إلى معاملة خاصة وكثير من الاهتمام والرعاية لإعادة تأهيلهم وإبعادهم عما كانوا يعانونه، وما غرس في أذهانهم من أفكار، وتنبيههم إلى أهمية التعليم وتطوير أنفسهم ليكونوا قادرين على ذلك، ويصبحوا أفراداً فاعلين في مجتمعاتهم لاستغلال طاقاتهم وقدراتهم في التنمية والازدهار.

  • استمرار استغلال اليافعين

لا تقتصر هموم اليافعين على الخوف من تأثير الماضي فيهم، فالحاضر لا يقل خطورة كما يصف علي 36 عاماً؛ معلم سابق ونازح مقيم في الحسكة منذ سنوات عدة: ’’ممارسات قسد تجاه اليافعين لا تختلف كثيراً عن ممارسات التنظيم من ناحية التركيز على زراعة الأفكار ومحاولات تجنيدهم والاستفادة منهم في القتال، وبخاصة أن قوات سوريا الديمقراطية واجهت كثيراً من التهم من قبل الناشطين الحقوقيين والمنظمات الإنسانية لممارسة التجنيد الإجباري على اليافعين ودفعهم إلى حمل السلاح وميادين القتال حيث يخضعون أيضاً لدورات فكرية تهدف إلى زرع مبادئ الأمة الديمقراطية -التي تدعو إليها قسد- في عقولهم للاستفادة منهم في تنفيذ مشروعها السياسي والعسكري. وهذا ما أشارت إليه تقارير صحافية وحقوقية وإنسانية عدة في وقت مبكر، وقبل سنوات عدة، ومنها ما نشر في تقارير لجنة التقصي الدولية التابعة للأمم المتحدة في 16/ آب/ أغسطس/ 2013 عن تجنيد تنظيم ب ي د (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، وأحد المكونات الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية) أطفالاً ذكوراً وإناثاً في صفوفه بعمر 12 عاماً فقط في كل من عفرين والحسكة. أيضاً التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة بعنوان ’’الأطفال في سوريا والصراعات المسلحة’’ عام 2013 الذي أكد تجنيد ب ي د أطفالاً تراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً وعاد إلى التذكير به موقع (كورد ووتش) الإخباري المستقل في تقرير له في أيار/ مايو 2015 عن وجود أطفال بعمر 12 عاماً ضمن صفوف ب ي د. ويرى علي ضرورة وقف عسكرة حياة اليافعين وإيقاف تمجيد المظاهر المسلحة أمامهم، منبهاً إلى خطورة ذلك في استمرار الحالة العنفية في المنطقة قائلاً لمرصد مينا: ’’علينا أن نعلمهم أهمية الحوار والسلام والبناء والأخلاق، لإبعادهم عن الحالة الدموية الناتجة من الحرب’’، منبهاً إلى أهمية المراكز الشبابية والرياضية في ذلك ومشيراً إلى ضرورة تفعيل النشاط المدني الذي يؤثر إيجاباً في نمو اليافعين وثقافتهم وقدرتهم على قبول الآخر المختلف عنهم قائلاً: ’’نحن في منطقة متنوعة عرقياً ودينياً وطائفياً وقومياً؛ لذا لا بد من غرس ثقافة التعايش عند هؤلاء اليافعين لإبعاد شبح الحروب والتوترات المستقبلية الناتجة من العنصرية والتعصب والتطرف’’. واصفاً اليافعين بأنهم ’’مادة خام في طور التشكل’’ وملقياً بالمسؤولية على الأهل والسلطات القائمة في تشكيلها إما أداة بناء إيجابية تساعد على التقدم، والازدهار، أو تحويلها إلى فتيل لمشكلات وتوترات وحروب مقبلة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى