fbpx

الهواجس الأمريكية من النيات التركية في سوريا

التحالف الأمريكي التركي الذي بقي مزدهراً مدداً طويلة، تعرّض لتصدعات مهمة، منذ تباين الموقفين الأمريكي والتركي من الصراع في سوريا. لم يرتَح الأتراك لتحالف الأمريكيين مع قوات الحماية الشعبية الكردية الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعدّه تركيا فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني التركي المحظور في البلاد. التحالف الأمريكي – الكردي على الرغم من محاولة الولايات المتحدة إخفاء جوهره، إلاّ أنه تحالف لا يبدو مؤقتاً بسبب الحرب على داعش، فهذا الحزب يبحث عن دور وظيفي يخدم به الأمريكيين، مقابل خطوةٍ مادية ملموسة باتجاه تحقيق الحكم الذاتي الكردي في الشمال الشرقي من سوريا على الأقل، الأمر الذي تعارضه تركيا بشدة. الهدف الأمريكي غير المعلن من تحالفهم مع قوات الحماية الشعبية الكردية هو تأهيل منطقة شمال شرق سوريا (الجزيرة السورية) لتكون موقعاً لقواعد أمريكية كبيرة، تكون بديلاً من قاعدة أنجرليك الموجودة على الأرض التركية التي تستطيع تركيا تحديد نشاطها العسكري. كذلك فإن مهمة هذا التحالف الكردي الأمريكي لا تنحصر كما يدعي الأمريكيون بمحاربة داعش، بل بتحويل هذه المنطقة إلى منطقة تخطيطٍ لعمليات استراتيجية، تشمل الصراع المقبل في المستقبل مع الصين وروسيا، ومع أوروبا التي تبحث عن تشكيل جيشٍ أوروبي قادرٍ على حماية القارة العجوز من دون أي دورٍ أمريكي. لذا يمكن قراءة تصريح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس يوم الأربعاء 21/11/2018 الذي قال فيه: إن الولايات المتحدة بدأت بإنشاء مواقع مراقبة على امتداد أجزاءٍ من الحدود بين تركيا وسوريا، بهدف التركيز على هزيمة تنظيم داعش في سوريا. على أنه تورية حقيقية للأهداف الأمريكية المرجوة من وجود مواقع المراقبة الحدودية، هذه المواقع غايتها منع أي احتكاك مرحلي بين تركيا وقوات الحماية الشعبية الكردية. ولكن هذا المنع يحتاج إلى ضماناتٍ تقدّمها الولايات المتحدة للطرفين كليهما، وهي ضمانات لا يمكن للأمريكيين تقديمها بسبب تعقيدات الصراع في سوريا وعليها. عدم تقديم الضمانات الملموسة لتركيا أولاً يعني بقاء الهاجس الأمني التركي قائماً من أجل إبعاد أي دورٍ لقوات PYD، وتحديداً في المرحلة الأولى من مناطق غرب الفرات (منبج)، ثم من مناطق شرق الفرات. الأمريكيون لا يستطيعون المضي في تقديم ضماناتٍ لحزب PYD بما يخصّ أجندته السياسية الخاصة القائمة على إقامة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا. إذاً؛ الموقف الأمريكي هو موقف متحرك آني النظرة والمصلحة حيال التحالف مع قوات الحماية الشعبية الكردية، وهو موقف يتغير بتغير معطيات الواقع السوري المتحركة التي تتأثر بعناصر كثيرة، لا يملك الأمريكيون خيوط إدارتها بأيديهم. الموقف الأمريكي من نشر نقاط مراقبة هو موقف ذو طبيعة تدلّ على تبريد حال التوتر بين الجانبين التركي وPYD. وعلى الرغم من الحجة الأمريكية بأن الحرب على جيب داعش في أقصى الشرق السوري تحتاج إلى نقاط مراقبة لمنع أي تماس، لكن هذه الحجة لا تصمد كثيراً أمام حقيقة ما يريده الأمريكيون من نشر هذه النقاط. فهذه النقاط لها غايات أمريكية أخرى غير منع التماس العسكري بين حليفهم الكردي وحليفهم التركي. ولذلك فالأمريكيون ما يزالون بعيدين عن بلورة استراتيجية حقيقية حيال سوريا والمنطقة، تأخذ بالحسبان المصالح الحيوية لشركائها. ووفق هذه الرؤية تكون نقاط المراقبة الأمريكية على الحدود السورية التركية نقاط تحذير أولي لأي هجومٍ تركي على خصم تركيا (قوات الحماية الشعبية الكردية)، ومن ثم؛ فهذا يضع الجانب التركي في حالة أزمة من أي دور لاحق للقوات الكردية. وهو الأمر الذي يضع الأمريكيين في خانة استمرار عدم ثقتهم بالحليف التركي الذي تحاول آلته التنموية أن تحقق قفزات لهذا البلد تضعه في مرتبة متقدمة اقتصادياً وسياسياً، وهو ما لا يريده الأمريكيون خشية أن تلعب تركيا في المستقبل دوراً يهدّد ركائز الاستراتيجية الأمريكية كلها في هذه المنطقة المهمة من العالم. فهل تستطيع نقاط المراقبة الأمريكية أن تمنع الجموح التركي للتخلص من خصمٍ يهدّد مصالح الأمن القومي التركي الاستراتيجي. لا أحد يستطيع أن يرسم تصوراً محدّداً لهذا الأمر، لأن لا أحد يملك جواباً حاسماً عن هذا السؤال في هذه المرحلة الممتلئة بالتغيرات والمفاجآت. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى