fbpx

عودة إلى الانفتاح الاجتماعي…بعيداً عن عصي "المطوّع"

تجلس الشقيقتان البصريتان شهد ونور الربيعي في الطابق الثالث والمخصص للمطاعم والمقاهي في أحد أكبر المجمعات التجارية والتسويقية في البصرة (560 كلم جنوب بغداد) بانتظار تجهيز طلبهن. قبل سنوات مضت لم يكن من السهل على الفتيات الخروج ليلا وقيادة السيارة لإحضار العشاء من المطاعم المنتشرة في المدينة إذ أن معظمها كانت ذات طابع شعبي أو أنها عائلية أما اليوم وبعد انتشار المولات بات طبيعيا رؤية بعض النساء في المدينة بلا غطاء الرأس في الأماكن المذكورة كما أنه من الطبيعي مشاهدة فتيات بمفردهن في الأماكن العامة. تقول شهد “عندما كنت أدرس في الجامعة كانت الميليشيات المسلحة تخيفني وكنت أرتدي ملابس تناسبهم خوفا من المضايقات، ولكن اليوم البصرة آمنة جدا خصوصا عندما تم افتتاح المراكز التجارية (المولات) التي تمكننا من التجول ضمن مكان مغلق وآمن بما يحلو لنا من ملابس بعيدا عن ضوضاء ومتاعب السوق”. سيادة المظهر الديني والمحافظ في المدينة الجنوبية الواقعة على ضفاف شط العرب هو الطابع الذي ميز البصرة منذ عام 2003 إذ أعقب ذلك العام سيطرة عدد من المسلحين خارج إطار القانون والميليشيات على المدينة وتنافسها بما جلب مشكلات عدة للسكان. اليوم تحاول هذه المدينة المشهورة بقربها من الخليج وموقعها المميز استعادة انفتاحها الاجتماعي مجددا من خلال مظاهر عدة بدأت بانتشار الأسواق والمولات الكبيرة وزاد فيها عدد النساء اللواتي يقدن السيارات داخل البصرة فيما نقلت بعض العائلات التي سافرت لتعيش خارج المكان بعض مظاهر الانفتاح الاجتماعي الأخرى عند عودتها. في السنوات الأخيرة زاد عدد النساء غير المحجبات في المحافظة بعد أن تراجعت سلطة الميليشيات منذ عام 2008 إذ كانت تضع لافتات تحذر فيها الفتيات من “التبرج والسفور” كما شهدت الكليات بعض حالات التعرض للفتيات غير المرتديات للحجاب أو اللواتي يرتدين ملابس لا تناسب الشريعة. وظهرت اليوم في المحافظة مدارس (أجنبية) ابتدائية مختلطة وقد شهدت إقبالا من جانب الكثير من الأهالي ما دفع باقي أصحاب رؤوس الأموال على العمل لإنشاء مشاريع مشابهة. وكانت الميلشيات المسلحة تسيطر على البصرة في المدة بين عامي (2003- 2008) إذ نفذت الدولة خطة أمنية نزعت من خلالها سلاح الميليشيات وألقت القبض على مؤثرين فيها، وبعدها بدأت البصرة تستقبل المشاريع الاستثمارية وفتحت هيئة الاستثمار في المحافظة عام 2009. الناطق باسم مديرية مرور المحافظة رياض العيداني قال أن “رُخَص القيادة الخاصة بالنساء تم إصدارها في السنوات الثلاث الماضية في شكل متزايد عن السنوات التي سبقتها بسبب ارتباط بعض النساء بأعمالهن ومدارس أبنائهن الذي يتطلب من المرأة أن تكون لها مركبتها الخاصة”. ويضيف أن “السائقين الذكور لم يعودوا يستغربون قيادة المرأة بسبب شيوع هذه الحالة وهو ما شجع النساء على خوض تجربة القيادة، واتضح لنا لاحقا أن المرأة ترتكب حوادث وأخطاء أقل لالتزامها بالقوانين”. وتؤيد شهد رأي العيداني في أن النساء أكثر حرصا من الرجال أثناء القيادة وتقول أنها حصلت على رخصة القيادة بسهولة وباستحقاق بعدما تدربت جيدا على قيادة السيارة. ولوحظ في البصرة خوض المرأة في العمل لدى شركات الطيران والسفر والمطاعم والأزياء وحتى في مجال التمثيل والسينما والعمل كضابط في المرور كما هو الحال مع ملازم أول علياء، وهي سيدة بصرية تعمل في مديرية المرور منذ أكثر من ثماني سنوات. وعلياء برتبة ضابط من مواليد 1983 وهي حاصلة على البكالوريوس في القانون وكانت أول ضابط مرور حين نجحت من محافظة البصرة من أصل (83) ضابطا من الإناث. ويقول مصمم الأزياء زياد العذاري حول عروضه التي يقدمها في البصرة وانفتاح المرأة البصرية عليها “إننا لم نعد نواجه تلك المشكلة التي كانت تواجهنا قبل عشر سنوات وهي ندرة الفتيات الراغبات للعمل كعارضات أزياء بسبب القيود العشائرية والمجتمعية ولكننا اليوم لدينا الكثير من العارضات البصريات”. زياد يردف أن “الفتاة في البصرة اليوم تشاهد أن المحافظة في تطور وأن هناك الكثير من الفتيات اللواتي بدأن يأخذن دورهن ويصبحن سيدات أعمال بسبب ارتفاع مستوى ضبط الأمن فضلا عن الاستفادة من تجارب الدول المجاورة في مجال العمل الخاص بالفتيات والذي يمنح المرأة كيانا فضلا عن كونه عملا محترما”. وبدأت عروض الأزياء في البصرة منذ عام 2015 في قاعات ضمن فنادق محصنة ولكنها بعد ذلك انطلقت إلى قاعات مفتوحة وبدعوات عامة وبمشاركة منظمات عراقية وأجنبية. إذ كان الاعتماد في بادئ الأمر على عارضات أزياء من بغداد بمشاركة عديد قليل من البصرة ولكن بدءا من العام الماضي أخذت العروض تعتمد على فتيات من البصرة في شكل اكبر. وشهدت البصرة افتتاح أول اتحاد لسيدات الأعمال في العراق منذ عام 2011 وهو يضم بين هيئته العامة نساء يعملن في مجال الأعمال والفن ومنهن من تقود منظمات للدفاع عن حقوق المرأة في المحافظة. مظاهر الانفتاح في المدينة الجنوبية بدأت تتسع وتشمل جوانب عدة وهو ما تطمح إليه النساء هناك والمثقفون على حد سواء أما شهد وشقيقتها فأكملن جولتهن التسويقية في المول ونزلن لأخذ سيارتهن منطلقات باتجاه المنزل فرحات بما أنجزنه في ذلك اليوم دون الحاجة إلى أي تدخل ذكوري. مينا عن ” نقاش ” مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى