fbpx

عليهم "غفورٌ رحيم" علينا "شديدُ العقاب"!

يتلازم المثل السوري القائل “فوق الموت، أيضاً عَصّة قبر”، مع حال السوريين المهجّرين داخل معظم دول اللجوء التي قصدوها، مجبرين لا طواعية؛ إذ لم تشفع لهم معاناتهم الطاغية على كل كوارث شعوب العالم في التاريخ. فعلى الرغم من الأحداث الكارثية التي ألمّت بهم داخل بلدهم الأم، والتي لم تعد خافية على الكبير والصغير والرضيع في السرير، بقي سوء البخت يلاحقهم أينما حطّوا وكيفما عاشوا. في تركيا، أكثر دول العالم اكتظاظاً باللاجئين السوريين، غالباً ما يُسلّط الضوء على أيّ تصرّف يمارسه السوري، مهما صغر أو قلّت أهميته، لدرجة تحميله وزر هبوط سعر الليرة التركية أو ارتفاع البطالة أو غلاء الأسعار أو انتشار الجرائم أو تدنّي المستوى التعليمي، أو حتى التسبّب في تزايد حالات الطلاق بين الأتراك! اليوم، وبعد مرور أسبوع كامل على ليلة رأس السنة الجديدة، لا يزال بعض الأتراك يتناقلون “هاشتاغ” طالما تكرّرت كتابته خلال السنين الماضيات كلما تعرّض أحد ناشريه لانتكاسة سياسية أو اقتصادية أو عائلية أو لمغص حاد في البطن والأمعاء: “لا نريد السوريين بيننا”! ولكي نكون منصفين، كانت للأتراك مبرراتهم في بعض الحالات التي أثارت انزعاجهم ودفعتهم لنشر الهاشتاغ، نذكر منها حادثة تصوير أحّد الشبان السوريين لفتيات تركيات يسبحن على شاطئ مدينة “سامسون” صيف عام 2017، وكذلك حوادث الاعتداء والعراك بين سوريين وأتراك في بعض المدن التركية؛ إلا أن الهاشتاغ الأخير كان سببه المباشر احتفال مجموعة من الشبّان السوريين بليلة رأس السنة في ساحة “تقسيم” وسط إسطنبول، إذ صوّرهم أحد الأتراك ونشر المقطع على صفحته الشخصية مجانباً لمقطع قديم يمُثّل جندياً تركياً يمشي داخل منطقة ما في شمال سوريا، وكتب تعليقاً يذمّ فيه احتفال السوريين ورفعهم علم ثورتهم وسط إسطنبول بدل التوجّه والقتال داخل سوريا عوضاً عن الجنود الأتراك، وطبعاً مع إرفاق الهاشتاغ عينه. وكالعادة، أثار ذلك المقطع امتعاض جزء لا بأس به من الأتراك المصدّقين لحكاية قتالهم في سوريا كرمى لسواد عيون أهلها، وكذلك انقسم السوريون بين معارض لمشهد الاحتفال ومناصر له. وبعيداً عن عرض أسباب معارضة المشهد أو قبوله من قبل الفريقين التركي أو السوري، نتساءل هنا: هل كُتب على السوريين حياة الحزن والانكفاء، وتحمّل مسوغات ومفاهيم الآخر الذي لا يختلف عنه في الدوافع السيكيولوجية، المتحكّمة بالفرح والحزن والغضب والخوف والحب ومئات الدوافع الأخرى؟ وهل حُرّم على السوري الشعور بالسعادة ذاتها التي تغمر الآخر غير السوري؟ ليلة رأس السنة، بالذات، هي مناسبة عابرة لمفاهيم القومية والوطنية والدينية، وتتشارك جميع أمم الأرض، ولو شكلياً، في إحيائها وتبادل التهاني مع أقرانهم في الإنسانية بكل مكوناتها؛ ولكن يشاء البعض، على ما يبدو، استثناء السوريين منها، كيف لا ودول (الإنسانية) تشاركت في تقاسم وطنهم وانتزاع فرحهم. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى