fbpx

الأفغان.. وقود حرب إيران في سوريا

ذكرت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية، “يقوم لواء فاطميون، الذي أنشأه الحرس الثوري في عام 2013، بتجنيد مهاجرين ‏شيعة للقتال عن بشار الأسد.. ومقابل المال، يقاتلون حتى الموت بأعداد كبيرة في حربٍ ليست حربهم‎”.‎ وكتب بيير الونسو، المراسل الخاص لصحيفة تقريرا مطولا اورد فيه تجارب أفغان خاضوا التجربة: “حسين” لا يفعل ‏أي شيء. إنه جالسٌ في هذه الحديقة في ضاحية فقيرة بطهران وينتظر.. لقد وعده صديقٌ بأن يأتي لالتقاطه ليلًا لإيوائه‎.‎ وبقصة شعر لاعب كرة القدم (خصل غير متماثلة، وجوانب حليقة)، يبدو كالكثير من الشباب هنا. إن حسين أفغاني ‏ويعيش بشكل غير قانوني في إيران، شأنه شأن مليوني مواطن من أبناء جلدته، وذلك وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة ‏لشؤون اللاجئين‎.‎ وفي حديقة الصنوبر المبشور العامة هذه، يبقى وحيدًا، بعيدًا عن مجموعة من الرجال الذين يستريحون في أحد الأزقة ‏القريبة. أشار إليهم بإصبعه دون أن يلتفت. “إنهم البلطجية الذين يذهبون إلى سوريا من أجل المال. إنهم يحاربون مقابل ‏المال. يرتدون ملابس المقاتلين، ويتحدثون كالفاطميين‎”.‎ التلميح واضح: لواء فاطميون، هو الاسم الكامل، وهو لواء أنشأه الحرس الثوري الإيراني في عام 2013. ويجمع ‏الشيعة الأفغان، الهزارة، الذين يذهبون للقتال في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد. وقد أضافت واشنطن اللواء إلى قائمتها ‏للعقوبات في يناير، وتُصنِّف “الحرس” منظمةً إرهابية‎.‎ في أوج الحرب، في عامي 2015 و2016، كان يبلغ عدد هؤلاء المقاتلين، الذين يحملون العلم الأصفر الذي تتوسطه ‏بندقيتان كلاشينكوف وأغصان، حوالي 10000 مقاتل وفقًا لماثيو ماتكسون، وهو خبير في الصراع السوري ‏ يؤكد مسؤولون سابقون في الاستخبارات الأفغانية أن فيلق “فاطميون” التابع للحرس الثوري الإيراني يشكل تهديدا ‏محتملاً لأمن‎…‎ ‎ “‎فاطميون” .. ظل إيران العائد من سوريا يقلق أفغانستان إيران‎ ‎ ويتذكر حسين هذه الفترة جيدًا، ويعتبرها فترةً بعيدةً جدًا حيث يبلغ 23 عامًا من العمر. كان قد وصل لتوه إلى إيران ‏بطريقة غير قانونية. وكانت السلطات تلاحق المتطوعين المعينين في كل مكان: “كانوا يبحثون عن الأفغان حتى في ‏المصانع. وحتى بين القتلة في السجن! وكانوا يعِدونهم بالحرية إذا ذهبوا إلى سوريا. في أحد الأيام، أوقفتني الشرطة. ‏قالوا لي: “إذا ذهبت إلى الحرب في سوريا، فسوف نعطيك مالًا، ثم أوراقًا ثبوتية، وعملا”. ورفض، حيث فكَّر بعائلته ‏أولًا، التي بقيت في أفغانستان: “إن مت هناك، لن يحصل والداي على أي شيء، وستضطر أخواتي إلى ممارسة البغاء”. ‏حُكم على الشاب بالترحيل إلى أفغانستان، وسارع بالفرار مرة أخرى‎.‎ الحرس الإمبراطوري ذهب كثيرون آخرون إلى سوريا. تحت وطأة الإكراه بالأحرى، ماليًا على أقل تقدير، أكثر من كونها قناعة أيديولوجية. ‏لقد اخترع النظام الإيراني روايةً سياسية دينية لتبرير دعمه الباهظ للغاية لديكتاتورية الأسد. بحيث يكون هدف تدخلهم هو ‏فقط الدفاع عن الأماكن المقدسة للشيعة، وخاصة ضريح السيدة زينب حوالي دمشق. يُطلق على المقاتلين الذين جندهم ‏الحرس الثوري، وهو الحرس الإمبراطوري الذي تولى هذه السياسة الاستراتيجية لإيران، “مدافعي الحرم”،. إنهم ‏يضحون بأنفسهم من أجل موتى‎.‎ لا ينخدع أحد بهذا المصطلح. “الذهاب إلى سوريا؟ لقد عشنا في أفغانستان وغادرنا بسبب الحرب. إن كان علينا القتال، ‏فسيكون ذلك في أفغانستان، وليس في سوريا!”، قالها أفغاني كبير السن، صادفناه في مطعم يقدم أسياخ الكباب والدجاج ‏المنقوع في شهر ري في طهران. لقد كانت سابقًا عاصمة الإمبراطورية، وأضحت هذه المدينة نوعًا من المناطق الشعبية ‏البعيدة في جنوب العاصمة الإيرانية. وهناك شابان، يجلسان سويًا، لا يبدو أنهما يُؤمنان بذلك أيضًا، مع أنهما ذهبا إلى ‏سوريا. مرتين في عام 2016: “ذهبنا لزيارة عمتنا زينب، لقد نمنا في منزلها”، هذا ما أدلى به ذو العيون الكستنائية ‏الفاتحة. لم يريدا أن يتفوها بكلمةٍ عما فعلوه هناك، وبالكاد وصفوا كيف دخلوا اللواء‎.‎ أشار أحدهما إلى يمينه: حيث يوجد على مقربةٍ مما أشار ضريح الشاه عبد العظيم، سليل أحد الأئمة الاثني عشر الذين ‏يحتفل بهم الشيعة. وفي هذا المكان وجدوا مكتب التجنيد. “في الضريح”، كما أكدّا. وما زال هناك واحد في المدينة، في ‏نهاية أحد الأزقة في الحي. على الحسينية هناك لافتة كبيرة مكتوبٌ عليها “فاطميون”، إلا أنها تبدو مغلقة. حاليًا، يجب ‏التقدُّم في باكداشت، وهي مدينة فقيرة جنوب طهران، كما بيَّن الشابان بوجهيهما الموسومة فعلًا‎.‎ وظلوا صامتين عن البقية. هناك آخر كان بالكاد أكثر ثرثرة. أثناء تدخينه لسيجارته إلى القطنة، كان يتلفت قلقًا يُمنة ‏ويُسرة. وطلب رؤية بطاقتنا الصحافية، ثم أخرج بطاقة هوية تثبت أنه مُقيم نظامي في إيران. قال إنه زار سوريا عدة ‏مرات، وسيعود إلى هناك في اليوم التالي لذاك اليوم. وكانت تلك المعلومة الوحيدة. أطفأ سيجارته ووضع كمامة مكافحة ‏التلوث على فمه، وأغلقه‎.‎ في الحديقة، رحّبت بنا مجموعة الفاطميين الصغيرة التي أشار إليها حسين، بابتسامات ساخرة. كانوا يرتدون جميعهم ‏البنطال المموج والسترات العسكرية أو الكوفيات السوداء والبيضاء. وسَعِدَ أحدهم بالإجابة علينا باللغة الإنجليزية، بلهجة ‏أميركية قوية. فقد كان يعمل مع القوات الأميركية التي كانت منتشرة في أفغانستان. أكنتم في سوريا مع الحرس الثوري؟ ‏أجاب مُتملِّصًا: “ليس لدي أي معلومات”. أولئك الذين أدلوا بتفاصيل كانوا يتحدثون عن أصدقاء أو أقارب ممن انضموا ‏إلى الفاطميين. لم يتحدثوا عن أنفسهم مُطلقًا. ومع ذلك، فهم مضطلعون بسير المهام: تستغرق ما بين شهرين وثلاثة ‏أشهر، تسبقها دروس دينية أو تدريبية موجزة على استخدام الأسلحة، بأوامر مباشرة من أفغاني آخر. والراتب: على ‏الأقل ثلاثة أضعاف ما يتقاضونه هنا من خلال العمل في مواقع البناء في ظروف بغيضة. أي حوالي 200 يورو شهريا ‏مقابل الموت في سوريا‎.‎ يقول ماتيو بوكستون، الذي لاحظ تطورًا على مر السنين: “يستخدم الإيرانيون الأفغانَ كطُعمِ المدفع. يمتلك لواء ‏‏”فاطميون” أسلحة ثقيلة منذ عام 2016، تتضمن عربات مدرعة‎ T-72 ‎و‎ T-90 ‎روسية الصنع”. ويختلف المبلغ الذي ‏تدفعه الميليشيات وفقًا للتقديرات. وتحدث المتحدث الإيراني باسم اللواء عن 2000 قتيل في العام الماضي. أحصى علي ‏آلفونه، الباحث في مركز بحثي في واشنطن، 905 جنازات في إيران لأفغان قُتلوا في سوريا. وهو رقمٌ لم يأخذ في ‏الاعتبار الجثث المنسية في ساحة القتال، ولا السجناء، أو المختفين‎.‎ تُكرِّم ايران بعض الجثث التي تُعاد إلى الوطن. وفي بهشت زهرة، المقبرة الكبيرة في طهران، يمتلك الفاطميون مربعهم، ‏بين الصحافيين الذين لقوا حتفهم في تحطم إحدى الطائرات والنواب الذين قُتِلوا خلال الهجوم الذي شنه تنظيم داعش على ‏البرلمان في يونيو 2017. خمسون قبراً، تخضع لسينوغرافيا صارمة. تحمل نقش “مدافعي الحرم”. وتُنقش صورة ‏المتوفى على الرخام الأسود، واسم أو عبارة “شهيد مجهول”. ويحكي تاريخا الميلاد والوفاة قصة المعارك في سوريا ‏وقسوتها. توفي علي رضا رحيمي في حمص في 23 نوفمبر 2015. وفي صورته، يبدو وكأنه صبي عمره 17 سنة‎.‎ يوم الخميس، هرعت كل عائلة إلى ميِّتها، الابن في كثير من الأحيان، والأخ في بعضها. حاملًا كرسيًا قابلا للطي أسفل ‏الذراع، يتحدث رجل عجوز يرتدي السلوار كاميز، الزي الأفغاني التقليدي، طوعًا عن هذا الابن الذي يرتدي له الحِداد. ‏وثمن مقتله العام الماضي في حمص فتح أبواب إيران له “دعتنا السلطات إلى هنا، لقد منحونا جواز سفر ووعدونا ‏بالسكن. ونحن لا نزال ننتظر”. لقد ترك ابنه وراءه ثلاثة أطفال صغار يتامى، وهم الآن تحت عناية الستيني الذي يبدو أنه ‏أكبر من هذا العمر بعشر سنوات. وبالكاد يُلبِّي المعاش الذي يتقاضاه (170 يورو) احتياجات العائلة المجموع شتاتها. ‏واستشاط غضب الشيخ الكبير قائلًا: “كان ابني انتحاريًا. لقد أجبره الجيش السوري على ذلك. قاموا بتحزيمه بقنبلة”. ‏وكرر المصطلح عدة مرات باللغة العربية “انتحاري”. وفاجأ هذا القول العديد من الخبراء الذين تمت مقابلتهم. فيليب ‏سميث، الذي يعمل على الميليشيات الشيعية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، “لم يسمع أبدًا بأن (لواء فاطميون) ‏بتجنيد انتحاريين”. ويدّعي ماتيو بوكستون أنه لم يسبق له أن رأى ذلك لدى الفاطميين في سوريا. أما بالنسبة للرجل ‏المسن، فهو متيقن بذلك؛ لقد رأى جثة ابنه المُتجزِّأة عند دفنه، حيث كان الكثير من الحرس الثوري حاضرين‎.‎ تغطي سيدة عجوز نفسها في تشادور أسود. قامت بتنظيف قبر ابنها بالماء ونثرت بتلات زهور البرتقال عليه. وإلى ‏جانبها، رجل ذو لحية بيضاء يعتمر قبعةً حمراء صغيرة ويصلي من أجل ولده. قُتل محمود حسيني في 27 مايو 2017، ‏بعد ذهابه وإيابه عدة مرات من وإلى سوريا خلال عامين ونصف. يقول الوالد طاعن السن: “آخر مرة، غادر دون أن ‏يقول أي شيء. إنني مصاب بمرض القلب، ولم يُرِد أن يقلقني. لقد كان مترددًا في المغادرة‎.‎ مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى