fbpx

واشنطن بوست وفورين أفيرز: إسرائيل لم تهزم حماس

مرصد مينا

نقلت صحيفة “واشنطن بوست عن 3 مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إن 5.000 مقاتل من حماس قتلوا على الأقل، بشكل يترك بقية المقاتلين والبالغ عددهم 30.000 مقاتل في وضع سليم. فيما نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالاً لروبرت إي بابيه، أستاذ العلوم السياسية، ومدير برنامج جامعة شيكاغو للأمن والتهديدات، قال فيه إن حملة العقاب الجماعي لن تهزم “حماس”.

وقال المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، بحسب واشنطن بوست، إن العمليات في شمال غزة لم تكتمل بعد، ورغم تدمير معظم مدينة غزة إلا أن القوات الإسرائيلية لم تدخل معاقل الحركة هناك. وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العقيد ريتشارد هاتشيت “هذه ستكون عملية طويلة” و”نحتاج الوقت”، معترفا أن الساعة الدبلوماسية تدق.

الصحيفة أشارت إلى أن الثمن كان مدمرا، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين 16.000 بمن فيهم 5.000 طفل، حسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. مضيفة أن ثلث مناطق القطاع لا تزال خارجة عن سيطرة القوات الإسرائيلية بما فيها المناطق المتوقع أنها محصنة جدا، كما يقول مايكل ميليستين، المسؤول السابق لدائرة الفلسطينيين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وفي فترة التوقف القصيرة ظهر مقاتلون ملثمون ومسلحون في الساحة المركزية للمدينة حيث قاموا بتسليم “الرهائن”، مما يؤشر لاستمرار وجود الحركة في ما كانت أكبر مدينة في القطاع.

وبحسب صور الأقمار الاصطناعية التي التقتها “بلانيت لابس” يوم الخميس، وقبل نهاية الهدنة لم يظهر أي وجود عسكري حول الشجاعية وجباليا. لكن المنطقتين كانتا عرضة للغارات الجوية المكثفة والمداهمات منذ استئناف القتال في الأسبوع الماضي. وفي تغريدة باللغة العربية على إكس قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي “هذا هو الإعلان الأخير، كلكم أهداف”. وقال الجيش الإسرائيلي إنه قام بمداهمة جباليا يوم الإثنين بعدما أكمل “تطويق” مخيم محلي للاجئين.

  مايكل هوروفيتز، مدير شركة استشارات المخاطر ليوبيك انترناشونال قال “قد تكون المعارك الدموية بانتظارنا” و”لكن سيتم حشرهم وسيجبرون على القتال”. مضيفا أن إسرائيل التي تقوم بدك الجنوب بغارات جوية مع ارتفاع متزايد للضحايا، ستجد صعوبة في تكرار ما فعلته بالشمال بسبب تزايد الضغط الدولي. وقال “من المحتمل أن يكون هناك مقاومة متدنية الوتيرة في الأشهر المقبلة”.

 ولدى حماس قدرة قتالية ما بين 27.000 -40.000 مقاتل، ويقول الخبراء إن لديها منفذا سهلا على تجنيد المزيد. لكن الأعداد ليست مهمة لإسرائيل بقدر ما هي مهتمة بقطع رأس الحركة وقتل قادتها مثل زعيم حماس في القطاع، يحيى السنوار الذي وصفه قادتها بأنه “رجل ميت يمشي”. و”هم الأشخاص الذين يمثلون الرموز وهم من لديهم السلطة في القطاع” حسب إيال حالوطا، مدير مجلس الأمن القومي حتى هذا العام. و”هذا هو الهدف الرئيسي للعملية في الوقت الحالي وفروا كلهم للجنوب وهذا واضح جدا”. وكرس الجيش قدرات استخباراتية وعناصر لتحديد مكان السنوار والزعيم العسكري محمد الضيف. وعلق حالوطا “يمكن لهذه الحرب أن تغير أشكالها، وربما كانت على مستويات من الكثافة، وسنواصلها حتى نقتلهم”.

 إلى جانب المقاتلين وقادة حماس، هناك الأنفاق، التي يبلغ طولها مئات الأميال والتي تتلوى تحت غزة، وهي أهم رصيد عسكري للحركة وتسمح لها بنقل الأسلحة والمقاتلين بدون اكتشافهم. وقال هوروفيتز “واحد من الأهداف هو تحديد الأنفاق”. ويقدر المسؤولون العسكريون عدد فتحات الأنفاق التي اكتشفوها بـ800 منها 500 دمرت، ورفضوا التعليق على خطط لغمرها بمياه البحر. لكن من الصعب معرفة الأثر الذي تركته العملية الإسرائيلية على نظام الأنفاق بشكل عام و”لا نعرف عدد الفتحات لكل نفق” كما يقول هوروفيتز. وتقدر شركته أن ثلث أنفاق غزة لا تزال سليمة، مع أن بعضها صغير وبهدف تنفيذ هجوم إلا أن العشرات منها عميقة لعدة أمتار ومرتبطة بشبكة أكبر.

وهناك الصواريخ، فرغم شهرين من القتال القاسي، لا تزال حماس قادرة على إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، وتم إطلاق عدة رشقات منها يوم الثلاثاء باتجاه جنوب إسرائيل، وضرب واحد منها بناية سكنية في عسقلان. لكن صفارات الإنذار لا تسمع كثيرا في المدن البعيدة مثل تل أبيب، وانخفض عدد الصواريخ من الآلاف عما كان في الساعة الأولى من الحرب. ويعترض نظام القبة الحديدية معظم الصواريخ.

ويعلق هوروفيتز “كان هناك انخفاض حقيقي” و”السؤال لماذا؟ فربما ضربت إسرائيل حماس بقوة وانخفضت ترسانة حماس من الصواريخ أو أنها خفضت من وتيرتها”.

وقدرت المخابرات الإسرائيلية قبل الحرب أن ما تملكه حماس والفصائل الأخرى هو 30.000 صاروخ تقريبا، وأطلق المسلحون منها 11.500 صاروخ باتجاه إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويرى هوروفيتز أن من الصعب على إسرائيل القضاء على ترسانة الصواريخ لأن معظمها ينتج محليا و”تحتاج للبحث عن مصانع الصواريخ ووقف تدفق المواد. ويحتاج هذا لوقت طويل وأن يكون لك يوم تطلق فيه حماس صفرا من الصواريخ باتجاه إسرائيل، وهذا يوم يصعب الوصول إليه”.

بابيه في مقاله في فورين أفيرز  يقول“مهما كان الهدف النهائي، فالدمار الجماعي الإسرائيلي لغزة يطرح مشاكل أخلاقية عميقة. وحتى لو حكمنا عليها عبر معايير إستراتيجية، فنهج  إسرائيل مصيره الفشل، وبالتأكيد فشل بالفعل”.

 وأضاف أن “العقاب الجماعي للمدنيين لم يقنع سكان غزة للتوقف عن دعم “حماس”، بل على العكس، فقد زاد من الحنق بين الفلسطينيين. ولم تنجح الحملة في تفكيك الجماعة التي من المفترض أنها مستهدفة. وكشفت 50 يوماً وزيادة أن إسرائيل تستطيع  هدم غزة، لكنها لا تستطيع تدمير حماس، في الحقيقة، ربما أصبحت الجماعة أقوى الآن مما كانت عليه في السابق”.

ويذكر الكاتب أن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تعول على سحر القوة الجوية المفرطة. ويكشف التاريخ أن عمليات القصف الجوي لمناطق مدنية واسعة لم تحقق أي هدف. وربما كانت إسرائيل حكيمة لو تعلمت من هذه الدروس، وردّت على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر بضربات جراحية ضد قادة “حماس” ومقاتليها، بدلاً من حملة القصف العشوائي التي اختارتها.  لكن لم يفت بعد الأوان لتغيير المسار وتبني إستراتيجية  قابلة للتطبيق لتحقيق أمن دائم. وهو نهج يقوم على دق إسفين بين “حماس” والفلسطينيين لا التقريب بينهما، واتخاذ خطوات أحادية ذات معنى نحو حل الدولتين.

فمنذ ظهور القوة الجوية، حاولت الدول قصف أعدائها كي يستسلموا، وهزّ معنويات المدنيين ودفعهم نحو نقطة انكسار تجعلهم ينهضون ضد حكوماتهم، حسب هذه النظرية، ويغيرون مواقفهم. ووصلت إستراتيجية العقاب بالإكراه ذروتها في الحرب العالمية الثانية، وفي القصف العشوائي للمدن التي يمكن ذكرها بالاسم والأهداف: هامبورغ (40.000 قتيل)، دارمستاد (12.000 قتيل) ودرسدن (25.000 قتيل). ويمكن ضم غزة لهذه القائمة سيئة السمعة.

ففي ألمانيا، دمرت حملة الحلفاء الجوية ضد المدنيين، التي بدأت في 1942، المدينة الألمانية بعد الأخرى ليبلغ العدد النهائي مع نهاية الحرب 58 مدينة وبلدة ألمانية. لكن الحملة لم تستنزف معنويات المدنيين أو تدفعهم للثورة على أدولف هتلر، ورغم التوقعات الواثقة من مسؤولي الحلفاء. وبالتأكيد، فقد أقنعت الحملة الألمان للقتال بشدة خشية فرض شروط تعسفية عليهم في سلام ما بعد الحرب.

ولم يكن فشل الحملة الجوية مفاجئاً، بالنظر لفشل الغارات الجوية الألمانية “بليتز” على لندن والمدن البريطانية التي قتلت 40.000 شخص، لكن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل رفض الاستسلام، بل على العكس؛ استخدم القتلى لتعبئة البريطانيين وتقديم المزيد من التضحيات الضرورية للنصر. وبدلاً من هزّ المعنويات، أقنعت “بليتز” البريطانيين بتنظيم هجوم مضاد مع حلفائهم الأمريكيين والسوفييت وغزو البلد الذي قصفهم. وفي الحقيقة لا يوجد مثال في التاريخ عن نجاح حملة جوية دفعت المدنيين للثورة على حكوماتهم.

وقد حاولت الولايات المتحدة هذا أكثر من مرة، حيث دمرت في الحرب الكورية الطاقة الكهربائية في كوريا الشمالية، وفي حرب فيتنام، حيث دمرت معظم الطاقة الكهربائية في شمال فيتنام، وكذا في حرب العراق، حيث عطلت الغارات الجوية نسبة 90% من توليد الطاقة في العراق، ولم ينته أي منها بثورة شعبية.

وتعتبر الحرب في أوكرانيا المثال الأخير، حيث حاول الطيران الروسي، ولأكثر من عامين، إجبار أوكرانيا على الاستسلام من خلال غارات جوية متتالية قتلت أكثر من 10.000 مدني، ودمّرت 1.5 مليون منزل، وشرّدت حوالي 8 ملايين أوكراني. وقد هزّ القصف الروسي معنويات الأوكرانيين، لكنه لم يحطمها، بل ودفعهم للقتال بشدة.

 الكاتب يخلص إلى أن حل الدولتين هو الذي يقود إلى أمن دائم للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وهو النهج القابل للتطبيق، ويمكن من خلاله إضعاف “حماس”. ويجب على إسرائيل الضغط للأمام واتخاذ خطوات أحادية بهدف إحياء عملية سلمية متوقفة منذ 2008. ويقترح نهجاً سياسياً وعسكرياً محدوداً ضد “حماس” وقادتها. وعليها أن تتبنى عنصراً سياسياً في الإستراتيجية الآن، وليس غداً. ولا يمكن لإسرائيل الانتظار لوقت سحري تتم فيه هزيمة “حماس”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى