fbpx

المسيحيون في إدلب.. بين مطرقة النظام وسندان "تحرير الشام"

كان يعيش في إدلب قبل اندلاع الثورة السورية آلاف المسحيين، وينتشرون في قرى عدة ضمن المدن الرئيسية في محافظة إدلب، ويوجد أبناء هذه الديانة في قرى عدة ومدينتين من المحافظة ونستطيع حصر وجودهم في: مدينة إدلب “حي وسط المدينة”، جسر الشغور “حي المسيحية في الجسر” وقرية الجديدة وقرية اليعقوبية وبلدة القنية وقرية الغسانية “أنزيك” وقرية حلوز في ريف إدلب الغربي. يراوح تعدادهم ما بين 2-3 آلاف نسمة، ويتوزعون في مذاهب عدة نذكر منها: الروم الأرثوذكس واللاتين والأرمن والبروتستانت، المتجددين من البروتستانت والمعمدانية والناصرية”. ويعملون بنسبة تتجاوز 17% في الأعمال الإدارية الحكومية، وقسم ليس أكبر في أعمال واستثمارت خاصة. إلا أن التعداد الفعلي للمسيحيين الموجودين في مدينة إدلب أقل كثيراً، وهذا ناجم عن الهجرة الكبيرة إلى مدن المحافظات المجاورة وبخاصة نحو “حلب” و”اللاذقية” في أحياء الميدان والسريان الجديد أو الهجرة إلى خارج سوريا.

  • مع اندلاع الثورة السورية

فقدت مدينة إدلب عدداً كبيراً من أبنائها من الطائفة المسيحية الذين هربوا من القصف النظام السوري والاشتباكات التي تحصل بالقرب من مناطقهم بين الثوار والنظام، وبدأت قرية الغسانية في ريف إدلب الغربي بالنزوح نحو المناطق الموالية أو الخروج إلى تركيا عبر منافذ التهريب. فقد هرب أبناؤها بعد تمكن الثوار من تحرير القرية عام 2012، بسبب القصف العشوائي من قوات النظام التي كانت تتمركز في قرية الشغر ومدينة جسر الشغور. ثم لحقت بها قرى الجديدة واليعقوبية والقنية بسبب تحرير الثوار لها لفتح طرق الإمداد بين ريف اللاذقية والمناطق الداخلية التي بقي  فيها كثير من السكان أيضاً في أثناء تحرير القرى، مع ترحيب كبير من الأهالي في بداية التحرير في نهاية عام 2012 وبداية عام 2013 بسبب كثافة القصف المدفعي والصاروخي من قوات النظام على البلدات المحررة، ما أدى إلى هرب أهاليها وترك أملاكهم أمانات لدى الثوار في القرى. “عبدالله اللاذقاني” أحد ثوار ريف اللاذقية يخبر مينا عن تفاصيل معارك القرى المسيحية في الجديدة واليعقوبية والقني قائلاً: “في نهاية عام 2012 كنا فصائل نتبع للجيش السوري الحر، حررنا أولى القرى وهي قرية الجديدة بقسميها الأعلى والأسفل، ضمن معركة التوحيد والإخلاص التي شملت معظم أجزاء ريف إدلب الغربي ودروكوش واليعقوبية. إلا أن شدة التحصين وقفت في وجهنا ضد تحرير قرية اليعقوبية مع تحرير باقي المناطق، وكانت قرية جديدة أولى القرى التي دخلنها”. ويصف اللاذقاني لحظة الدخول: “عندما دخلنا كان يوجد ما يقارب 50 عنصراً لقوات النظام ضمن قرية الجديدة وحوالى 20 شبيحاً، وكنا نراهم أمامنا قبل التحرير وعند بداية التحرير، دخلنا إلى القرية وبدأنا بتفتيش المنازل بحثاً عن السلاح فقط، من دون العناصر حتى أننا تواجهنا مع شبيحة عدة، ولم نتعامل معهم بسبب عدم رغبتنا في إيذاء أي شخص”. ويتابع “في أثناء المعركة قدم إلينا عدد من الأهالي ورحبوا بنا، وساعدنا بعضهم في ملاحقة عناصر النظام، تمكنا من كسب قلوب الناس، حتى أن الشبيحة بعضهم كانوا يأتون ويسلمون أسلحتهم من تلقاء أنفسهم بعد المعاملة التي كنا نعامل الناس بها”. إلا أن القصف الذي تبع تحرير القرية من قوات النظام، أدى في البداية إلى هرب السكان إلى جديدة التحتانية بعيداً عن القصف، مع بقاء بعض العائلات التي كانت تقدم المساعدات والطعام للثوار. وقد بقي خوري الجديدة في المنزل من دون أن يتعرض له أحد مرحباً بالثوار القادمين، لكنه هرب بعد20 يوماً من التحرير، بسبب كشف تورطه بإعطاء الإحداثيات الخاصة بمنازل الثوار وقصفها من النظام السوري، وقد اتفق المسيحيون والثوار على التكتم على الأمر من أجل عدم تعميم التعامل مع النظام. وبقيت الكنائس على حالها وبقي الأهالي في منازلهم، إلا أن شدة القصف أجبرت السكان على النزوح إلى حلب واللاذقية هرباً من بطش النظام وأصبحت القرى خالية إلا من بعض السكان”.

  • المسيحيون في إدلب بعد التحرير

هرب كثير من السكان إلا أن المسيحيين بعضهم من نساء وأطفال وشيوخ بقوا في منازلهم ومنهم من عاد إليها بعد أن أبعد النظام والقصف عن القرى التي كانوا يعيشون فيها وبقي ما يقارب 1000 عائلة موجودة في قرى عدة في محافظة إدلب. مع مرور الوقت بدأ المسيحيون يتعرضون إلى مضايقات من المقاتلين المحسوبين على جبهة النصرة التي أغلقت كنائسهم وهدمت مقابرهم وصلبانهم. ومن ثم بعد محادثات عدة توقفت المضايقات، لكن على الرغم من ذلك بدأ عدد من الأهالي بالخروج من المناطق بسبب عودة القصف من الطائرات الحربية والمضايقات وخوفاً على أنفسهم من الموت. وتركوا منازلهم وأراضيهم لدى جيرانهم أو الثوار القدامى الذين أصبحوا أصدقاء لهم على سبيل الأمانات. يعيش من تبقى من المسيحيين اليوم بشكل حر وكامل ويقيمون الصلاة ضمن كنائسهم في قرى عدة، يقيمون القداسات من دون أي مضايقات من عناصر المقاتلة بشرط عدم الإعلان أو قرع الأجراس فقط. وتعيش العائلات اليوم كأي عائلة سورية لها ما لها وعليها ما عليها، وما يزال المسيحيون يعملون في الأراضي التي كانت ملكهم أصلاً، من دون مصادرة أو مضايقات من الفصائل المسلحة، ويعاملون بشكل جيد من الجوار والأهالي القاطنين قربهم، ويجري تبادل الزيارات والتهاني في الأعياد وغيرها من المناسبات بين الجيران.

  • كيف أصبحت القرى المسيحية مع القصف

لم يتوقف قصف النظام على القرى التي يقطنها مسيحيون، واستمرت الطائرات الحربية الروسية ومدفعية النظام السوري بهدم كنائسهم، وعلى الرغم من أنهم  يتباهون بحماية الأقليات فقد بدؤوا باستهداف القرى المسيحية إذ أصبح جزء كبير منها مدمر بنسبة 90% كالغسانية وحلوز. وبسبب هجرة الأهالي من هذه القرى أصبحت القرى اليوم مأوىً للنازحين والمهجرين من المناطق السورية المختلفة، وأصبحت الأراضي التي كانت لمسحيين في بداية الثورة أرضاً من دون فائدة. ولكن مع وجود الفصائل المسلحة بدأت عملية استثمار أراضي المسحيين والعمل بها من بعض العناصر أو الأهالي عموماً لإيجاد مدخول مالي للسكان. “محمد الأحمد” أحد سكان ريف إدلب يقول لمينا: “إن قوات النظام والطائرات الروسية كثفت  قصفها خلال العامين الماضيين على القرى المسيحية، ما أدى إلى تدمير كثير من المنازل وما يقارب ست كنائس في قرى الغسانية واليعقوبية وحلوز وجسر الشغور”. ويتابع المحمد وصفه للقرى: “تحولت القرى اليوم إلى مدن للأشباح بسبب الدمار الكبير الذي حصل فيها، ما جعل كثيراً من السكان الأصلين أو النازحين يهربون منها ويتركونها بسبب كثافة الغارات الجوية كقرية الغسانية وحلوز التي بدأت قوات النظام الترويج بكثافة حول وجود المواد الكيمائية في حلوز أو قلب اللوزة وهي قرية مسيحية يعيش فيها المسيحيون في ريف إدلب الشمالي قرب مدينة حارموالتي تعرضت لغارات جوية عدة. ويتابع المحمد “لم يسلم المسيحيون من القصف ففي إحدى الغارات التي استهدفت قرية اليعقوبية وكنسية القديسة “آنا” وهي من الكنائس المشهورة في المنطقة، أصيب فيها 3 من المسحيين بجراح متوسطة بينهم امرأة”.

  • أحد المسيحيين يتحدث

في لقاء خاص لمينا قال “جورج” وهو أحد الرجال الكبار في السن المتبقين في قرية اليعقوبية: “نحن هنا منذ ما يقارب 7 سنوات، بقينا في منازلنا ولم نغادر على الرغم من القصف المستمر من الطائرات فليس لدي أولاد في سوريا وجميعهم في أوروبا، ولا أقرباء لي  في مناطق النظام فقررت البقاء في منزلي على الرغم من طلب أبنائي الخروج منه خوفاً على حياتي”. في تفاصيل الحياة يقول جورج: “إن حياتنا اليوم جيدة نعيش كما يعيش بقية الناس، تعرضنا لبعض المضايقات من الغرباء، إلا أن الجيران كانوا معنا كأهلنا ولم ينقصنا شيء حتى الآن”. طبعا الشيء الوحيد الذي يختلف علينا هو عدم وجود عمل لنا بسبب الوضع العسكري في المحافظة، حتى الجيران لا يوجد لهم عمل أيضاً أحاول زراعة بعض الخضار في حديقة منزلي وكل ما أرجو من الله هو إعادة الأمان إلى سوريا وعودتها كما كانت لألتقي بأولادي الذين هربوا من النظام لرفضهم الالتحاق بالجيش”. ويضيف جورج “خلال السنتين الأخيرتين لم نتعرض لأي مضايقات بل أصبحنا اليوم جزءاً من المجتمع نحاول العيش من خلال الحوالات التي يرسلها أبناؤنا من خارج سوريا، وأيضاً من بعض المساعدات التي تأتي للسكان أحياناً، أو من متبرعين للمسحيين الموجودين في مدينة إدلب”. وعلى الرغم من تعرض القرية إلى سقوط صواريخ عدة من الطيران الروسي، لم يغادر جورج منزله على الرغم من تضرر معظم الأثاث في منزله بسبب القصف، فهو يود أن يبقى في منزله ويموت وفقاً لقوله.

  • بعد تحرير الشام وتشكيل حكومة الإنقاذ

مع تشكيل تحرير الشام لحكومة الإنقاذ التابعة لها بدأت الحكومة بإجراءات استيلاء ضد مباني المسحيين ومنازلهم والأراضي التي تتبع لهم ولمن كان خارج إدلب من دون أي مضايقات لمن هم داخل مدينة إدلب. أعلنت الحكومة مؤخراً تحويل المباني والأراضي التابعة للمسيحيين إلى مكتب الغنائم، وسيطرت على الممتلكات التي تخص المسحيين الذين هم خارج إدلب فقط ولو لهم أقارب أو وضعوا أملاكهم أمانة لديهم أو تملكها سكان من القرى أو أصدقاؤهم. إذ لم تعترف الحكومة بكل ما يوجد من مستندات أو وثائق وبدأت مؤخراً بإخراج السكان من المنازل أو فرض إيجارات عليهم بحجة أنها غنائم حرب. من دون أي مراعاة للإسلام أو الشرع الإسلامي الذي لا يجيز لهم الاستيلاء على أملاك المسحيين كونهم من أهل الكتاب أولاً وثانياً الغنائم تكون لمن قاتل وحرر وليس لمن سيطر على الأراضي التي حررها أبناؤها. وبحسب تقرير سابق نشرته مواقع إعلامية معارضة نقلاً عن أحد المدنيين الذين كانوا يقطنون في القرى المسيحية يقول: “إن عدد الذين بقي منهم في محافظة إدلب لا يتجاوز ألف شخص، معظمهم من كبار السن أو من الذين اختاروا البقاء. فضلاً عن أن من هرب إلى الخارج أو إلى مناطق سيطرة النظام، أوكل أشخاصاً من الأصدقاء أو الجيران للاهتمام بأملاكه بموجب اتفاق شفوي أو بموجب توكيل قانوني، إلا أن الهيئة لا تعترف بهذه الاتفاقات والتوكيلات. وأكد كامل أن هذه الخطوة لاقت استنكاراً كبيراً ورفضاً من أبناء منطقة إدلب، وعدّوها رسالة تهدف إلى إبعاد مسيحيي المنطقة نهائياً وتصويرهم بأنهم غير مرغوب فيهم. وأضاف أن من شأن ذلك إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة يفرغ إدلب من مسيحييها الذين لطالما تعايشوا مع سكانها المسلمين. وختم بالتأكيد أن أكبر دليل على هذا التعايش “هو اهتمام المسلمين من جيران وأصدقاء المسيحيين بممتلكاتهم”، وكانوا يرسلون إليهم الأموال التي يتلقونها لقاء تأجير المحال التجارية والأراضي الزراعية”. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى