fbpx

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في بؤر الصراع

لا يمكن لمتتبع تطورات الأحداث على ساحة الصراع السوري، أن يُغفل الجانب غير المقروء من قرار ترامب الخاص بالانسحاب العسكري الأمريكي من سورية، فهذا القرار ليس نزوةً فرديةً، كما يراد الترويج له، وهو ليس حاجة نفسية، تخصّ شخص رئيس الولايات المتحدة، بل هو قرار ناتج عن تصوّر لرؤية البيت الأبيض الأمريكي للصراع السوري، وطرق التحكم به عن بُعد. وربما يتساءل المتتبع للأحداث عن غاية الانفراد الرئاسي الأمريكي في اتخاذ موقفٍ سياسي وعسكري دون الرجوع إلى دائرة المستشارين والمسؤولين الأمريكيين، الذين يساهمون في صناعة القرار الأمريكي. إنّ الإجابة على هذا السؤال سيحيلنا إلى افتراق في مستوى الرؤية بين وجهتي نظر هما وجهة نظر الرئيس باعتبارها رؤية صفقات وفرصٍ، ووجهة نظر عددٍ من مساعديه كوزير الدفاع أو غيره ممن يعملون وفق قواعد السياسة التقليدية الأمريكية التي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن يمكن الاستدلال أن مجرى السياسة الأمريكية منذ صعود الرئيس السابق باراك أوباما قد تغيّر على مستوى إدارة الأحداث الدولية، وظهر جلياً عامل استخدام التناقضات بين أذرع الصراع المحلية والإقليمية كوسيلةٍ لإدارة الصراعات في المناطق الساخنة. هذه الرؤية لا تزال مستمرةً في عهد ترامب، وهي تعبّر عن أقصى براغماتية ممكنة تنتهجها الولايات المتحدة دون تقديم تضحياتٍ أو خسائر بشرية أو مادية، لذلك يندرج الانسحاب الأمريكي على قاعدة هذه الرؤية. إذ أنّ الولايات المتحدة بقيادة ترامب، لا تريد أن تضع نفسها في فريق مواجهة ضدّ فريق آخر في ساحة الصراع السوري، وكي تحقق نتائج ذات قيمة، عمدت إلى إعادة إنتاج شكل وطبيعة الصراع السوري، فالتعقيدات الموجودة في بنية الصراع، تحتاج إلى استراتيجية أشمل، مما توفره جهود مسار أستانا وسوتشي، ولهذا ابتعد الأمريكيون خطوةً إلى الوراء، لتعزيز تعميق الصراع بين أطراف أستانا، إذ أن إخلاء الأمريكيين لمواقعهم وأمكنة انتشارهم على الأرض السورية سيساهم بانتقال الصراع إلى مستوى جديد، فلقد كان أطراف أستانا الثلاثة يجهدون في الحفاظ على مسارهم بمقابل المسار الغامض الذي تنتهجه الولايات المتحدة، وهذا لن يستمر في ظلّ الانسحاب الأمريكي. ولذلك ستظهر التناقضات العميقة بين أطراف أستانا، وتتباعد المصالح فيما بينهم. فإذا ذهب الأتراك إلى سحق قوات سوريا الديمقراطية والسيطرة على مناطق شرق الفرات، فهذا يعني أن أستانا الروسية ستكون في حالة موت، بسبب تغير ميزان القوى على الأرض لغير مصلحة أجندتهم، وهذا ما دفعهم لعقد اجتماع مع الأتراك حول ذلك. لكن الأمريكيين لهم حسابات مختلفة، وهم يريدون بدون شكٍ تصديع التقارب الروسي التركي، لأن من شأن هذا التصديع إضعاف الروس ووضعهم في حالة استنزاف غير محسوبة. الحسابات الأمريكية ليست ببعيدة عن المصالح الاسرائيلية التي تجد بطرد إيران عسكرياً من سوريا غاية لها وهدفاً يتعلق بأمنها ووجودها، وهذا ما يضع الروس في حالة حرج . والسؤال : هل يحدث أن يتطور التناقض الثانوي بين الروس والأتراك ليصبح تناقضاً رئيسياً يستفيد منه الإيرانيون وحلفاؤهم في النظام الأسدي؟ هذا ما تعمل روسيا على تجنب حدوثه، لأنه إن حدث وتطورت الأمور في هذا الاتجاه، ستكون المصالح الروسية مع تركيا على كفّ عفريت، وهو أمر يبدو أنه يندرج ضمن رؤية ترامب لانسحاب قواته من سوريا. أيام قليلة تفصلنا عن حل الوضع في منبج وعن طريقة هذا الحل ونتائجه. فهل سننتظر مرحلة صراع عسكري جديد على الساحة السورية أم أن ثمن مرحلة هذا الصراع ستكون باهظة على كل اللاعبين في مجرياته؟ . مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى