fbpx

اللاجئون.. عبث تركي بديمغرافية سورية

الترحيل الإجباري، هو سياسة يبدو أن تركيا، بدأت تخطها أو تخطط لها تجاه اللاجئين السوريين على أراضيها، خاصةً مع التصريحات الأخيرة للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” التي أشار فيها إلى ما اسماه بـ”العودة الطوعية” للاجئين في بلاده، وهو ما جاء بعد ساعات من انتهاء القمة الثلاثية بين تركيا وإيران وروسيا حول الملف السوري.

الغريب في تصريحات “أردوغان” لم ينحصر فقط في اعتباره، أن منطقة شرق الفرات التي تعتزم بلاده والولايات المتحدة انشاء منطقة آمنة فيها؛ اعتباره إياها منطقة جيدة لإعادة اللاجئين، وإنما امتد الغريب أيضاً إلى مصطلح “العودة الطوعية” الذي تجاهل خلاله الرئيس التركي أن معظم المهجرين أو اللاجئين في تركيا لا ينحدرون من تلك المنطقة، وإنما من مناطق حمص وريف دمشق الشرقي والغربي، ومدينة درعا، وغيرها من المناطق السورية، إلى حانب عدم أهليتها للعيش الإنساني بسبب فقدان الخدمات وكافة متطلبات الحياة.

تمت الصفقة وتلاعب بالديمغرافيا

مراقبون وناشطون سوريون اعتبروا أن سياسة تركيا الحالية وتبدلاتها بما يخص ملف اللاجئين السوريين، يوحي بأن صفقة ما تمت بين الجانب الروسي والإيراني من جهة وبين حكومة الرئيس أردوغان من جهة أخرى، لافتين إلى الدور التركي الكبير في تغير الخارطة الميدانية في شمال سوريا، والذي سهل دخول قوات النظام إلى الكثير من المناطق بموجب اتفاقات بين الاتراك والروس.

وأضاف الناشطون: “تركيا الآن انتهت من مصلحتها بوجود اللاجئين واستخدمت الورقة السورية بشكل كامل، حصلت على صواريخ متطورة من روسيا، وأموال طائلة من الاتحاد الأوروبي.

بالإضافة إلى امتلاكها نفوذ عسكري داخل الأراضي السورية، وبالتالي فإن مسألة اللاجئين باتت بالنسبة لحكومة أردوغان ملف مزعج”.

وأشار الناشطون إلى أن آخر فائدة قد تجنيها تركيا من اللاجئين السوريين في محاولة اللعب بالديمغرافيا السورية، من خلال إجبارهم على العودة إلى مناطق شرق الفرات ذات الغالبية الكردية.

كما كان الحال في مدينة عفرين التي دخلها الجيش التركي قبل أعوام على حد قول النشطاء، متسائلين: “كيف يمكن اعتبار عودة أكثر من مليوني مهجر إلى أراضٍ ليست لهم وبيوتٍ غير بيوتهم على أنها عودة طوعية، وإن كان الأمر طوعياً لكان الأجدى أن يختاروا التوجه إلى أوروبا، وليس الذهاب إلى أماكن الحرب التي تنعدم فيها كافة وسائل وسبل الحياة”.

تبدل المواقف ومصالح تعلو فوق أي صوت

أكثر الأمور وضوحاً خلال الأشهر الماضية، هو التبدل الواضح في الموقف التركي الذي كان يعتبر “بشار الأسد عدوا” وما تروجه الحكومة التركية من دعم لمن أسماهم الرئيس التركي فيما سبق بـ “المهاجرين”، وأن ذلك الموقف لم يعد كما كان لتظهر حكومة “الأنصار” أنيابها في وجه “المهاجرين”.

المعارض والسياسي السوري “سمير نشار”، من جهته، اعتبر أن السياسة التركية لم تعد كما كانت؛ وذلك منذ تغيرت أولويات صانع القرار التركي منتصف عام 2016 من اولوية مناصرة الثورة السورية وإسقاط نظام الاسد في دمشق الى أولوية الامن القومي التركي، وحماية الحدود التركية من هواجس ومخاوف قيام كيان كردي مدعوم غربيا وامريكيا تحديدا في الشمال الشرقي من سورية بعد القضاء على داعش.

إضافة إلى تحول تركيا لعقد الصفقات مع روسيا عقب حادثة اسقاط الطائرة الروسية واعتذار تركيا عن ذلك مع تكلفة الاعتذار ، لتتحول بذلك الأولويات من مناصرة الثورة السورية وإسقاط نظام بشار الاسد الى محاولة منع قيام ذلك الكيان الكردي من قبل قوات قسد وعمودها الفقري وحدات الحماية الكردية على حد قول نشار.

يضيف المعارض السوري: “من هنا بدأت صفقة اسقاط حلب وإعادتها الى سيطرة النظام السوري مقابل السماح للقوات التركية بالتدخل في جرابلس ومنطقة درع الفرات لقطع صلة الوصل بين منبج وبين عفرين التي كانت تسعى قوات قسد الوصول اليها لوصل شرق الفرات بعفرين احد معاقل ال ب ي د ، عدا موافقة الروس تطلب الامر قتال داعش التي كانت تتراجع تحت الهزائم التي تلاحقها” ، مشيراً إلى أن كل ذلك تم واستطاعت تركيا من خلال عملية درع الفرات منع قوات قسد من الوصول الى عفرين وهي ذات كثافة كردية.

واعتبر “نشار”: “في تلك المرحلة بدا التفكير لدى صانع القرار التركي بضرورة السيطرة على عفرين لكن ذلك يتطلب تنازلاً مقابلاً للروس ومن خلفه النظام وتم ذلك من خلال صفقة شرق السكة في ادلب مقابل غصن الزيتون وتحقق ذلك ايضا وسيطرت تركيا على عفرين بمساعدة الفصائل السورية الموالية لها”.

مشيراً إلى أن محاولة تركية بدأت من عفرين وجرابلس لاعادة أكبر عدد من اللاجئين السوريين في تركيا الى المناطق الحدودية داخل سورية وخاصة للمناطق ذات الكثافة الكردية من خلال زيادة نسبة المكون العربي في تلك المناطق حتى تزيل احتمال التأثير الكردي من خلال قيام كيان في سورية على الداخل التركي الكردي الذي له حضوره الكثيف في تلك المناطق الحدودية بين البلدين، على حد وصف السياسي السوري.

إلى جانب ذلك، أشار “نشار” إلى أن القوة الرئيسيّة الضاربة لقوات قسد و “ب ي د” متواجدة بشرق الفرات وهي تملك إمكانيات بشرية وعسكرية كبيرة جدا قياسا لمنطقة عفرين التي هزمت بها ولَم تكن تملك دعم امريكي.

مبيناً أنه اذا ما تحققت المنطقة الآمنة بالشروط التركية فإن ذلك سيمكنها من إرسال ربما مليون لاجئ سورية من تركيا الى منطقة شرق الفرات لتغيير التركيبة الديموغرافية للسكان وتخفيف تأثير المكون الكردي، مضيفاً: “هذا السيناريو يصطدم بعقبتين ايضا هما شبه استحالة إقامة المنطقة الامنة بالشروط التركية ، غالبا ان الولايات المتحدة ستعارض ذلك، ثانيهما أن أغلب اللاجئين السوريين هم من محافظات سورية مختلفة وليسوا من شرق الفرات وسيعارض أبناء محافظات درعا ودمشق وحمص وحماه وحلب وادلب لاحقا الاستقرار في غير محافظاتهم”.

وختم “نشار” قائلاً: “المرحلة القادمة هي التي سوف تجيب على تلك التساؤلات والاهداف التي تسعى اليها تركيا خاصة بعد اقتراب الصراع العسكري من نهايته”، معتبراً أن كل ما ذكر سابقا يبقى دون المأمول اذا لم تستطع تركيا تنفيذ رغبتها في تحقيق منطقة آمنة في شرق الفرات حيث الحضور الكردي الكثيف على الشريط الحدودي بين البلدين ، مضيفاً: “ذلك ليس بالأمر السهل، فاللاعب الأساسي هو هنا هو الولايات المتحدة الامريكية”.

نسب وإحصائيات

المقلق في الخطوة التركية هو ما أظهرته الإحصائيات الأممية والرسمية، والتي أظهر أن معظم المهجرين الذين تحدث الرئيس التركي عن عودتهم بشكل “طوعي” ينحدرون من مناطق بعيدة عن شرق الفرات، الأمر الذي اعتبره الناشطون السوريون دليلاً واضحاً على وجود نية تركية مبيتة من خلال خطوتها تلك.

بالإضافة إلى أنه يكشف زيف إدعاء الحكومة التركية حول العودة الطوعية، لا سيما وأن نسبة كبيرة من اللاجئين هم معارضون للنظام وضد بقاء الأسد في السلطة.

وبحسب الإحصائيات، فإن من بين المهجرين حوالي 200 ألف شخص قدموا من الغوطة الشرقية باتجاه الشمال السوري، كما هجر حوالي 70 ألفاً من القلمون وحي اليرموك في ريف دمشق.

إلى جانب ذلك، تم تهجير ما يزيد عن 40 ألف شخص من مدينة درعا جنوب سوريا إلى مناطق الشمال بموافقة تركية، حيث توزعوا بعد وصولهم على عشرات الأماكن والمخيمات التي أقيمت هناك، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من نازحي مدينة حمص وريفها، والقلمون الشرقي في ريف دمشق، ومحافطة القنيطرة جنوب البلاد.

مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى