fbpx

صور من مجتمع الميم (LGBTI) في مناطق سيطرة قسد:

في شقة صغيرة مؤلفة من غرفتين وحمام صغير، أعيد ترميمها وطلاء جدرانها بألوان الأبيض بعد أصابتها في القصف الذي تعرضت له مدينة الطبقة أثناء المعارك بين قوات سورية الديمقراطية وعناصر تنظيم الدولة الاسلامية في 2017، يعيش عمران 28عام صاحب عمل حر وشريكه قاسم او(ارتباطه) _بحسب المصطلح الشائع في المثليين أو ما بات يعرف اختصارا ب (مجتمع الميم) العربي والمقصود منه (ارتباط) أي الشخص الذي يختاره المثلي كشريك أو زوج. قاسم 24 عام متطوع في أحد المنظمات ويتابع دراسته في إحدى فروع الجامعة السورية الافتراضية التي تمكن الطلبة من متابعة دراستهم عبر الشبكة العنكبوتية من مناطق مختلفة داخل وخارج سورية. يبدو كل شيء طبيعيا في هذه الشقة الصغيرة التي تولى قاسم امور ترتيبها بعد أن أهداه عمران خاتم الارتباط واتفقا على العيش سوياً في هذه المنطقة التي لاتزال غير مستقرة وتحكمها العادات والتقاليد التي تمنع وتحرم العلاقات المثلية. أثاث بسيط مؤلف من سجادة ملونة فرشت في أرضية الصالة وعدة إسفنجات ومجموعة من الوسائد التي رتبت فوقها بما يعرف محليا (قعدة عربية) وفي الزاوية وضع مكتب صغير تناثرت عليه بعض الكتب الطبية والروايات العالمية التي ينتمي اغلبها إلى الأدب الروسي وصورة صغيرة ملونة جمعت الشريكين يحيط بها إطار زهري، وحاسوب شخصي بجواره كرسي من الخشب نقشت عليه الاحرف الأولى من أسماء الشريكين. يقول عمران “لم أكن أحلم أني سأتمكن من الحياة في بلدي وعلى طبيعتي ومع حبيبي” واصفاً أنه يعيش اليوم في سعادة غامرة بعد الأيام (العجاف) التي عاشها في ظل الفوضى والفصائل المتشددة مضيفا أنه كان يفكر بالسفر والابتعاد عن هذا المكان قبل أن يتعرف على شريكه الذي أقنعه أن الحياة ممكنة هنا وأن مدينتهم بحاجة إليهم “عشت كل حياتي وأنا أشعر بالغربة وعدم الانتماء إلى المكان والمجتمع، وكنت أبحث دائماً   عن أي أحد يتقبلني كما أنا” ومعبرا عن الخوف اليومي الذي كان يشعر به أثناء حكم الفصائل الاسلامية للمنطقة، لكنه اليوم يشعر ببعض الراحة والأمان وإن كان لايزال يخفي ميوله الجنسية عن أهله وعن المجتمع. “لانزال نعيش على مسافة بعيدة من المجتمع الذي يرفضنا” يتمتع هذان الشريكان بشكل رجولي وهما يؤكدان أن هذا يحميها أمام الناس ويخفي ميولهما الجنسية مؤكدين أنهما يحاولان العيش بشكل طبيعي واستقبال الأصدقاء والاقارب في بيتهم الصغير فهما أمام الجميع مجرد صديقين وشريكين في السكن. ويصف قاسم حياتهما بالتعاون والتكامل كأي شريكين شارحا أن حياتهما لا تزال سرية وأنهما يقدمان أنفسهم للناس كأصدقاء يعيشان سويا “لانزال بحاجة إلى أن نرتدي الأقنعة والتمثيل أمام الآخرين “. وبحسب هذين الشريكين فإن مجتمع الميم هو مجتمع مسالم بشكل عام ويبحث عن المحبة والسلام مدللين على ذلك برمز هذا المجتمع المتمثل (بعلم الفخر) أو علم قوس قزح هو رمز الفخر للمثليات، المثليين، مزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين جنسيًا، ويتألف من 6 ألوان هي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والبنفسجي، وقد كان هذا العلم رمزاً للعديد من المنظمات التاريخية والثقافية، واستعمل من طرف الحركات السلمية والأحزاب السياسية، حيث يرمز كل لون من ألوان العلم إلى شيء مختلف: الأحمر: يعتلي باقي الألوان في العلم ويرمز إلى الحياة. البرتقالي: ويرمز إلى الشفاء. الأصفر: رسالة لأن تكون على طبيعتك وألا تتخبى في الظلال، ويرمز إلى أشعة الشمس. الأخضر: يرمز الأخضر إلى الطبيعة. الأزرق: يرمز إلى الراحة النفسية. البنفسجي: ويرمز إلى الروح. البحث عن الاستقرار والأمان: عبد القادر 37 عام وهو أحد اعضاء مجتمع الميم كما يعرف عن نفسه وقد عاد إلى الرقة منذ أكثر من عام  بعد أن نزح عنها إلى تركيا منذ عدت سنوات بعد سيطرة فصائل أحرار الشام والجيش الحر عليها في بداية العام 2013 “مبتعدا عن المشاكل” على حد تعبيره محاولا أن يتابع حياته في تركيا حيث عمل مدرسا هناك إضافة إلى عمله في التجارة قبل أن يقرر العودة إلى سوريا والعيش من جديد في مدينته الرقة “عندما شاهدت صورا عن وجود كتيبة ترفع (علم الفخر) أو علم قوس قزح هو علم ملون يضم عدة ألوان ويرمز إلى الحرية في الرقة، وتحار التنظيمات المتطرفة عرفت أنه زمن آخر قد نستطيع فيه كمثليين أن نحصل على بعض حقوقنا”، مؤكداً أن الظلم يلاحق هذه الفئة من المجتمع حيث ما وجدت. يمتلك هذا الشاب مشروعا صغيراً يديره بنفسه حيث عمل بالتجارة منذ عدة سنوات بعد حصوله على الشهادة الجامعية. يقول لمرصد “مينا” “إنّ أغلب المثليين الذين يعرفهم أعضاء فاعلون في المجتمع ويحاولون أن يتابعوا حياتهم دون أذية أحد”. شارحاً أنّ المثليين غالباً ما يتعرضون في المجتمعات إلى الإهانة والعنف المعنوي والجسدي وقد عبر عبد القادر عن ذلك قائلا “لا نحظى بقبول اجتماعي والنظرة الشائعة عنا أننا بلا أخلاق ولا دين” مضيفا أن العديد من المثليين تعرضوا أثناء حكم الفصائل الإسلامية للمطاردة والاعتقال والتعذيب ثم الإعدام عبر إلقائهم من مكان مرتفع فهذا هو العقاب الإلهي لهم بحسب مفاهيم تلك الجماعات وغالبا ما يطلق عليهم (قوم لوط) نسبة إلى النبي لوط الذي وردة قصته في القرآن الكريم والذي انذر قومه نتيجة ممارساتهم (المخالفة للفطرة والطبيعة ) لكنهم لم يستمعوا له او يطيعوه فنزل بهم العذاب حيث رفعت الملائكة القرية الى السماء  ثم القت بها إلى الأرض). فيما تغيب أي احصائيات دقيقة عن عن حالات العنف التي يتعرض لها الأفراد بسب ميولهم الجنسية في المجتمع السوري بشكل عام وفي مناطق قسد بشكل خاص، حيث ينفي أغلب من تواصل معهم مرصد مينا من أعضاء مجتمع الميم ما يشاع عنهم من انحلال وانعدام الأخلاق مصرين على أنهم أكثر صدقا وحسن خلقا وأن حياتهم الجنسية وخياراتهم هي أمر خاص بهم لا يجب أن يستخدم للحكم على شخصياتهم وتصرفاتهم واخلاقهم. وبحسب عبد القادر فإن المثليين في العالم العربي ككل يعيشون بلا حقوق او قدرة على التعبير عن أنفسهم حتى في دول تعتبر متقدمة في الحقوق والحريات المدنية عن نظيراتها مثل لبنان وتونس وهم ملاحقون قانونيا بحسب اغلب القوانين العربية ومنها القانون السوري الذي يجرم العلاقات بين الجنس الواحد ويعتبرها جرما يستحق العقاب فيما جل هم الشخص المثلي في المجتمع الشرقي هو الحصول على الاستقرار والأمان. عاد هذا الشاب إلى الرقة بعد نزوحه عنها منذ أكثر من 5 سنوات حالما بشيء من الاستقرار والراحة بعد سنوات الغربة التي يصفها “بالمتعبة” محاولا أن يلتقي بأهله ويعيش في بيته رغم أنه يعرف أنه لن يستطيع ميوله بحرية وربما يضطر الى الزواج من فتاة ليرضي ذويه ومجتمعه لكنه يرى في ذلك نصيبه وهو راض به. طريق طويل: فيما يبحث المثليين عن الحصول على جزء من حقوقهم “فالطريق أمامهم لايزال طويلا” كما يرى الصحفي محمد الملا أن ذلك لايزال بعيدا في ظل عدم استقرار سياسي وقانوني ورفض اجتماعي وديني لمثل هذه الممارسات شارحا لمرصد “مينا” “إننا كمجتمعات ونظم سياسية وقانونية لانزال بعيدين عن تقبل مبادئ المساواة والحريات الفردية”. وفيما تختلف الآراء حول منح المثليين لحقوقهم بين من يعتبر ذلك جزء من ثقافة دخيلة على المجتمع الشرقي وعلى قيم المنطقة الدينية والأخلاقية وعاداتها في حين يرى آخرون وبينهم محمد الملا أنه جزء من نضال مشروع لمجموعة موجودة بشكل حقيقي رغم الاختلاف في أسباب وجودها وحقيقته وجوهره إن كان طبيعي او مرضي فأنه لا يمكن إهمال هذا الوجود. وبحسب الملا الذي يعمل على تغطية شؤون المنطقة الشرقية من سورية وخاصة (مناطق سيطرة قسد) في أحد القنوات الإذاعية فإن السلطات المحلية التابعة لقسد لم تتعرض حتى اليوم للمثليين الموجودين في مناطقها سواء بالعنف أو الاعتقال رغم وجود بعض الاعتداءات الفردية من قبل بعض الأهالي، نافياً أن تكون السلطة التشريعية التابعة لقسد قد أصدرت أي قانون يجرم الأفعال المثلية أو يحدد عقوبة معينة لها ومؤكداً أن هناك تجمعات للمثليين في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة قسد تتم دون ضجيج أو مشاكل قائلا “هناك تجمعات محدودة لهم ونشاطات تمارس بسرية لكنها محدودة ومحاصرة بالخوف من المجتمع والمتطرفين”. وهذا ما أكّده لمرصد “مينا” أحد أعضاء المجالس المحلية التابعة لقسد رغم رفضه الكشف عن اسمه قائلاً “إن تلك التجمعات والنشاطات والحفلات الصغيرة وغير المعلنة لا يتم التعرض لها مالم تتضمن أفعال جنائية أو تخريبية أو تخل بالأمن وسلامة الآخرين” نافيا أن يكون هناك تشريع واضح بشأن الممارسات المثلية في مناطق قسد ومؤكداً أن بعض الدوائر في الإدارة الذاتية سواء مدنية أو عسكرية قد تتخذ بشأنهم (تدابير محدودة) حفاظاً على سلامة المجتمع ومراعاة للشعور العام. وقد نص قانون العقوبات السوري في المادة 520 على تجريم المثلية الجنسية وذلك وفق التالي “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات”. إلا أن سلطة الحكم الذاتي الموجودة في مناطق سيطرة القوات الكردية لم تضع تشريع واضح يمنع المثلية الجنسية أو يجرمها وهذا ما أكده مصطفى بالي في تصريح إعلامي له نفى فيه وجود كتيبة للمثليين في صفوف قسد قائلا: “في الوقت الذي نؤكد على احترامنا العميق لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المثليين، فإننا ننفي تشكيل الكتيبة، وهذا الخبر عار عن الصحة تمامًا”. يشار أن بعض مواقع التواصل قد تناقلت في حينها صورة عن اعلان تشكيل كتيبة tqil المقاتلة في 29 تموز يوليو 2017 التي رفعت علم الفخر الى جانب لافتة كتب عليها باللغة الإنكليزية “مثليون يقاتلون الفاشية” وقد نسب بعض الناشطين هذا التصرف في حينها الى مقاتلين أجانب مثليين يقاتلون في صفوف قسد المدعومة من التحالف الدولي. هذا التصرف الذي اشار بوضوح الى انفتاح من الإدارة الذاتية تجاه المثليين من قبل القيادات السياسية والعسكرية لقسد ورغبة في سن قوانين أكثر مراعاة للحريات الفردية ومنها حرية الخيارات الجنسية. كما اشار بعض الناشطين إلى وجود عدد من المثليين في مناطق عامة تقع ضمن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية دون التعرض لهم بالملاحقة أو السجن. أما فيما يخص التجمعات والمظاهرات التي تدعم المثلية الجنسية فهي ممنوعة بحسب القانون السوري لعدة أسباب، أبرزها أن المثلية الجنسية (ممنوعة) حسب ما ورد في قانون العقوبات السوري مادة 520، بالإضافة إلى أن أعلى تشريع في الدولة السورية وهو الدستور اعتبر أن الفقه الاسلامي والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي والأساسي في التشريع السوري، وبالتالي فالمثلية او ما يطلق عليها بالشذوذ او اللواطة هي فعل مجرم قانونا ومحرم  دينيا  حيث أن مرتكبها يعتبر أثم رغم وجود اختلاف فقهي  حول العقوبة المناسبة لهذا الفعل سواء بالإستتابة أو التعزير أو الاعدام، وبالتالي فجميع المظاهر الناتجة عنها من تجمعات ومظاهرات هي ممنوعة بالمحصلة. غياب الحقوق والحريات: ويؤكد الباحث الاجتماعي طه العبيد أن حالة المثلية قديمة وتاريخية في المجتمعات العربية وقد كان بينهم العديد من الشخصيات عامة في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والفكرية وحتى العسكرية. مشيراً أن هناك نفاق مجتمعي فالجميع يعلم بوجودهم، وقد أطلق عليهم عدة تسميات في وقت سابق – لكن الجميع يرفض الاعتراف بهم أو بحقوقهم والاستمرار بإنكار هذا الوجود ومحاربة أي ظهور له لكنه يشير الى ان هذا الظهور مهم وإن لم يحظى بقبول اجتماعي لكونه جزء من منظومة حقوقية متكاملة، شارحا انهم يعبرون عن أنفسهم دون أضرار بغيرهم وهذا جزء من مفهوم الحرية والحقوق الجنسية الذي اقرته مواثيق حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة واعترفت به نصوص القوانين العالمية والكثير من الدول في العالم. وفيما يبحث المثليين عن الحصول على جزء من حقوقهم يرى الصحفي محمد الملا أن ذلك لايزال بعيدا في ظل عدم استقرار سياسي وقانوني ورفض مجتمعي لمثل هذه الممارسات شارحا لمرصد “مينا” “أننا كمجتمعات ونظم سياسية وقانونية لا نزال بعيدين عن تقبل مبادئ المساوة والحريات الفردية والمجتمع العربي لايزال متدين بأغلبه ومتمسك بالصور النمطية عن الزواج وغير معترف بحريات الأفراد ولديه الكثير من المشاكل في تقبل مبادئ الحرية والعدالة والمساوة”. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.''

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى