fbpx

تسريب لـ "مينا": مركز إقليمي روسي في سورية.. بمهام داخلية وخارجية

طالما حلمت روسيا بأن تصل حدود سطوتها إلى حيث تصل القدرة الأمريكية، وذلك في إطار صراع المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي منذ القرن الماضي.

لم يكن الوصول إلى المياه الدافئة كافياً ليشبع شراهة الدب الروسي، وطالما كان ذلك حلماّ ذهبياً لروسيا، ليخرجها من عزلتها في المتجمد الشمالي، لكن المياه لن تكون دافئة طالما كان العمق البري بعيداً عن مرمى السيطرة الروسية، فكانت دمشق مركزاً جديداً وربما إقليمياً لروسيا الطامعة في استعادة أمجاد إمبراطوريتها السالفة.

مع بداية الثورة السورية، كان الباب مفتوحاً أمام الروس على مصراعيه للوصول إلى البحر المتوسط، وبناء قواعد عسكرية لهم هناك، قريبة من القواعد الأمريكية في جزيرة قبرص.

وصل الروس إلى ميناء اللاذقية، هدية نالها الروس على طبق من ذهب، من قبل نظام الأسد مقابل دخول الروس لمساندته في حربه التي يخوضها ضد شعبه؛ لكنهم لم يكونوا أول الواصلين، فقد سبقهم الإيرانيون، وهنا بدأت لعبة عض الأصابع بين روسيا وإيران.

أخبار كاذبة وحرب صامتة

ادعت روسيا يوم الأربعاء، أن طائرات مسيرة حلقت فوق قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية، شمال غربي سوريا، كما قالت وكالة الأنباء السورية “سانا” إن مضادات الطيران تصدت مساء الثلاثاء الثالث من أيلول الحالي لطائرة مسيرة فوق قاعدة حميميم العسكرية الروسية، دون أن توضح مصير الطائرة هل تحطمت أم لا؟

وبحسب الإعلام الروسي فهذه هي الطائرة المسيرة الثانية التي تتصدى لها المضادات الأرضية في قاعدة حميميم العسكري الروسية على الساحل السوري.

وفي كلا الهجومين ادعى الروس أن الطائرة أطلقها الثوار من المناطق المحررة شمال سوريا، لكن الحقيقة غير ذلك.

مصادر خاصة، قالت لمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الهجوم على القاعدة العسكرية الروسية “حميميم” نفذته مليشيات إيرانية، والقوات الروسية تعلم ذلك جيداً، إلا أنها تمارس سياسة ضبط النفس مع إيران، ريثما تستتب الأمور لها تماماً في دمشق.

وقال مصدرنا؛ بأن القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها تشعر بالإستياء الشديد من القوات الروسية، وتعتبرها شريكاً لإسرائيل، في الهجمات التي حصلت على مقراتها في مناطق مختلفة من سوريا، كان آخرها القصف الجوي الإسرائيلي، على جنوب دمشق وقتل فيه قادة من حزب الله اللبناني كانوا يتدربون في المعسكرات الإيرانية.

وتعتبر إيران والمليشيات المسلحة التابعة لها، جنوبي العاصمة دمشق مناطق مقدسة، تحتوي على مراقد لأشخاص مقدسة، لذلك يتمركزون حول طوق العاصمة دمشق، من جهة أخرى ترى إيران في تمركزها في محيط العاصمة، خطة استراتيجية تمكنها من السيطرة على العاصمة، ومفاصل القرار فيها.

أقسى من الموت

أردات روسيا منذ دخولها إلى سوريا الاعتماد على رجال الدولة “رفاق الأسد المؤسس” في نقل سلطات البلاد إليها، مقابل ضمان مراكزهم ومصالحهم في سوريا وخارج سوريا، فاتجهت إلى علي مملوك مدير المخابرات العامة، وخلف آصف شوكت الذي قضى في تفجير خلية الأزمة، وإلى جميل حسن مدير المخابرات الجوية، فللرجلين كلمة وقوة على الأرض، كما أنهما يديران أعتى فروع الأمن، وأكثرها إخافة للسوريين.

طلبت من جميل حسن وفق تسريبات تناقلتها وسائل الإعلام؛ كف يد إيران في الجنوب، وضمان عدم تحرش إيران بالحدود مع إسرائيل، إضافة لضم عناصر الفيلق الخامس رسمياً إلى مؤسسات الدولة، فعارض “حسن” الذي يعتبر أن إيران أقرب للطائفة العلوية وأكثر نفعاً من روسيا، فتم تهميشه ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

كما لجأ الروس إلى “علي مملوك” الذي كان أكثر مراوغة من سابقه، تقرب منهم لدرجة أن مصادر مقربة من الروس أشاعت إمكانية كون مملوك خليفة بشار الأسد في حكم سوريا، وتمكن الرجل من السفر بمهام رسمية سرية إلى دول عديدة منها أوربية، ذلك على الرغم من كون اسمه قد أدرج على قائمة الإرهاب والملاحقة القانونية الأوربية، لكن الرجل ذا الانتماء الشيعي لم يتمكن من بيع طائفته على حساب مصالح روسيا في البلاد، فتم تهميشه والانتقام منه بطريق ما.

بشار الأسد يحل أمن الدولة

أكدت مصادر خاصة لمرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ أنه في ٣١-٠٨-٢٠١٩ وقع “بشار الأسد” بوصفه رئيس سوريا، على مرسوم جمهوري، يقضي بتسريح ضباط وصف ضباط أمن الدولة بالكامل، وعندها بدأ الزحف الروسي إلى دمشق.

على الرغم من امتلاكهم لزمام الأمور في دمشق، وحكمهم فعلياً لسوريا، بينما باتت سلطة بشار الأسد صورية فقط، لم تتواجد المكاتب الروسية بقوة داخل العاصمة، وإنما كانت في ريف دمشق.

انتشرت مكاتب الضباط الروس بشكل متفرق في أنحاء مختلفة من ريف العاصمة دمشق الذي لم يشهد خروجاً عن سيطرة آل الأسد، وخاصة في منطقة “الديماس” وكان مكتب الضباط الروس في الديماس يسمى “شعبة الاستطلاع العسكرية الروسية”، وتتلخص مهمته في الدعم الالكتروني لنظام الأسد، من مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، إلى المكالمات الهامة، ومساندة فروع الأمن المختصة في متابعة قضايا الانترنت والاتصالات الفضائية، كما أن شعبة الاستطلاع الروسية كانت بمثابة قيادة شعبية لمناطق المصالحات، واسترضاء واستمالة الزعماء المحليين.

قبل قرار حل أمن الدولة الذي حصل بضغط روسي، وفق ما أكد مصدرنا، كانت روسيا قد جهزت مكاناً لها داخل المربع الأمني في العاصمة دمشق في منطقة كفرسوسة.

ففي يوم الثلاثاء 20 آب الفائت، تسلم الروس رسمياً مبنى الفرع 248 التابع للأمن العسكري، والمسمى بـ “المسلخ البشري” بسبب خروج مئات الصور المرعبة لأشخاص ماتوا تحت التعذيب بين جدرانه.

أطلق الروس على مقرهم الجديد اسم “المركز الإقليمي الروسي” واختاروا مكانه بعناية فائقة، وسط المربع الأمني في دمشق، المكان الأكثر أمناً ومراقبة في العاصمة، حتى يكونوا بمأمن من أي استهداف محلي مخطط له وانتقامي.

وقال مصدرنا بأن سبب نقل الروس مكاتبهم إلى داخل العاصمة دمشق، وإلى المربع الأمني بالتحديد هو تحسبهم لأي هجوم محتمل من قبل القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، والتي تسيطر على ريف دمشق الشمالي الواصل بين لبنان وسوريا، بوصفه خطوط إمداد لقوات حزب الله أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني، وذلك عقب ازدياد الهجمات الإسرائيلية على مقرات حزب الله، والمقرات الإيرانية في دمشق ومحيطها، ما أدى إلى ازدياد الحنق الإيراني على الشريك الروسي، ويعلم الروس جيداً أن الهجمات التي تعرضت لها قاعدة حميميم هي فعل أو تدبير إيراني بحت.

ماذا يفعل الروس في دمشق؟

في مقرها الجديد الذي أطلقت القوات الروسية عليه اسم “المركز الروسي الإقليمي” من المحتمل أن تجري روسيا صفقاتها الدولية المتعلقة بالمنطقة والإقليم، كما من غير المستبعد أن تشارك في هندسة الشرق الأوسط الجديد، نداً لند مع أمريكا التي تسيطر على آبار النفط شمالاً، بينما تبقى بيد روسيا الحقوق السيادية بوصف مناطق الإدارة الذاتية ضمن الأراضي السورية وفق المعاهدات الأممية.

في مقرهم الجديد والذي كان فيما مضى فرع 248 أمن عسكري، غير الروس كل شيء في الداخل، لون الجدران الأرضيات، حتى التمديدات الصحية والكهربائية، وزودوا البناء بكاميرات مراقبة مركزية موصولة بجهاز مركزي، يراقب كل الطرقات والزوايا المؤدية إلى المكان، فبات المكان جميلاً مزيناً بأرضيات تظنها رخامية، ومسحت منه رائحة الموت.

في الداخل هناك غرف خشبية لعمليات الإعدام بالرصاص وزنزانات، فالمكان ما زال لكبار الضباط الذين لم يقدموا ولاءهم كاملاً للروس، فبالرغم من جمالية المكان لكن الخوف ما زال هو سلطان البناء المحشو بصور وذكريات ألم لكل تلك الأرواح التي صعدت منه إلى السماء.

مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى