fbpx

جبهة النصرة على خطى داعش

إصرار جبهة النصرة على السير على خطى داعش، هي واحدة من مفارقات المشهد السوري، فقد استفزت داعش واستجلبت كل قوى الكون، عندما(صنعت) واستحضرت الجهاديين من مختلف الدول، مما منح تلك الدول المشروعية للدخول في تفاصيل المشهد السوري بغية الدفاع عن أمنها، كما أنها (أي داعش) لم تظهر كمنظمة محلية، بل ظهرت كمنظمة متطرفة عابرة للحدود، ووضعت جل همها فتح جبهات على مختلف القوى والطوائف والإثنيات العربية، مستخدمةً طرقاً دموية غاية في البشاعة بغية إخضاع الجميع لإرادتها. لا يبتعد الجولاني كثيراً عن شريكه السابق (البغدادي) عندما صنعا معاً ما كان يسمى دولة العراق والشام، والتي لم تدم طويلاً، فقرر البغدادي في حينها ابتلاع الجولاني، ما أدى بالأخير الى الفرار، وبذات الطريقة عمل الجولاني فيما بعد على ابتلاع الآخرين، أو العمل على تصفيتهم، وهي عموماً الإشكالية الثابتة والمعروفة لدى الإسلاميين، فهم ليس لديهم مواثيق او عهود لحلفائهم، فعندما يشعر أي فصيل إسلامي بالقوة، يبدأ بابتلاع القوى القريبة منه وانهاء وجودها من المشهد، ثم يتوجه فيما بعد لتبرير هذه السطوة، وإذا عجز عن إيجاد المبررات، يعتبر أن طاعة الأمير الأقوى هي الواجبة. الجولاني، وعلى خطى البغدادي حافظ على الوجود الأجنبي بداخله، رغم الحالة السورية الخاصة، وبقي مصراً على الوقوف في وجه الحلول السياسية التي هي في النهاية تخفف من حجم الكوارث الإنسانية التي طالت المدنيين طوال سنوات الصراع. كما استمر بممارسة التمدد والتصفيات على حساب الفصائل التي كانت توجهاتها الفكرية لا تتوافق معه، ولم ينجُ من ذلك الفصائل التي كانت حليفته الأساسية، إضافة لذلك، لم يترك المدنيين وشأنهم، فطالت سطوته الجميع، من خلال محاكم التفتيش التي أنشأها لملاحقة معارضيه. النتائج المترتبة على همجية جبهة النصرة هي أنها أصبحت في عقول الجميع تعتبر بديلاً لتنظيم داعش وأنها مجرد امتداد له، من خلال السلوك الذي مارسته ولا تزال تصر عليه. الأمر الثاني، أنها ستؤجل المعركة السياسية إلى اجل غير مسمى، ما يعني أن وجود جبهة النصرة، هو عامل جوهري في إطالة عمر نظام الأسد، وفي استمرار أزمة معاناة المدنيين، والتي خرجت الثورة السورية من أجلها، ولا تزال هي جوهر الصراع مع التفاقم الهائل لمعاناة المدنيين منذ عام 2011. كما سيعمل استمرار وجود جبهة النصرة على بقاء الشمال السوري كتلة مشتعلة متحركة باستمرار، وعرضة للتدخلات الإقليمية وغيرها، وعرضة لخلط الأوراق، ناهيك عن استمرار حالة الفوضى الأمنية والاقتتال، والنزوح والذي بدوره من ظل أكبر الأزمات التي تواجهها مناطق الشمال، خصوصاً مع غياب المنظمات الدولية، وبالتحديد (الإغاثية والطبية) والتي كان لها دور كبير في الحروب في أماكن عديدة من العالم، حيث نجحت هذه المنظمات على الدوام بمساعدة المدنيين في أمرين، الأول المساعدة المباشرة، والثاني في مسألة نقل الصورة الإعلامية بما يتيح تعاطفاً دولياً يؤدي الى مساعدتهم، وهو ما حالت دونه جبهة النصرة، التي ظلت تستهدف حتى المواطنين السوريين الذين يقدمون خدمات إنسانية لشعبهم. لكن النقطة الأهم في الصراع العسكري، هي أنها ستؤجل خروج الإيرانيين من سوريا، والذين باتوا يجدون مبرراً مع حلفائهم للبقاء في الشمال السوري، بعدما خرجوا من الجنوب السوري تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، وهو ما يعني دخول مناطق الشمال السوري أمام حالة ومستقبل مجهول. ففي الوقت الذي كان ينتظر الجميع مغادرة الإيرانيين، ليكون مدخلاً مهماً للحلول السياسية، بات الإيرانيون اليوم يجدون مبررات بقائهم، بذريعة وجود أشباه داعش، مع العلم أن قادة تنظيم القاعدة كانوا على علاقة متينة مع الإيرانيين بمن فيهم حمزة بن لادن الذي كان مقيماً هناك إبان مطاردته من أفغانستان. كل ما تقوم به جبهة النصرة اليوم يصب في مصلحة النظام وحلفائه، ويعمل على صناعة المزيد من الكوارث على المدنيين، الذين بالتأكيد لم يخرجوا في ثورتهم لأجل استجلاب هذه القوى الظلامية، التي حاصرتهم من الداخل وأنهكتهم بهذا الشكل. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى