fbpx

كلو الهواء أيها السادة

مرصد مينا

إذا كان للعالم جهات أربع، فحتماً الهجرة باتت الجهة الخامسة، فمن لم يهاجر، لم يهاجر لعلّة، ومن بقي، بقي يحلم بالهجرة، وهذا هو حال العالم الثالث بأبعاده “شرق أوسط، افريقيا، أمريكا اللاتينية” وسواها من هذا العالم المنكوب، وإذا  كان لابد من بحث عن سبب، فثمة شبكة من الأسباب:

ـ أزمة الغذاء، ازمة البيئة، الفقر بتداعياته، الطغيان بتداعياته والحروب.

وكلها من منتجات الغرب وقد:

ـ نهب ثروات هذه البلدان، ودمّر البيئة، ووطّد الطغيان، أما الحروب فلا اقتصاد سلاح بلا حروب.

وهاهو اليوم يتلقى تداعيات منتجاته، وقد تبدو هذه المنتجات في خطاب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والتي  توجهت باللوم إلى الغرب، الذي أعطى غالباً “الانطباع بأنه مهتم بتلقين الدروس أكثر من مدّ يد العون” وهو تعبيرها الأكثر اختزالاً وكان خطابها افتتاحاً  لمؤتمر روما للهجرة والتنمية الذي احتضنته العاصمة الإيطالية مؤخراً.

في التفاصيل أكثر  فقد حمّلت الرئيسة الطليانية  الغرب مسؤولية “الغطرسة”  إزاء البحث عن حلول لمئات الآلاف من اللاجئين الذين يتدفقون إلى حدود أوروبا الجنوبية، من بلدان أفريقية وعبر سواحل تونس وليبيا خصوصاً.

ميلوني، كانت على الدوام من أعتى المعادين للهجرة والمهاجرين، ويبدو أن هذا ما كان عليه سلوكها ابان الاعداد للمؤتمر،  أو عند زيارة تونس والمشاركة مع الاتحاد الأوروبي في عقد صفقة مع الرئيس التونسي تحيل البلد إلى حارس لباحات أوروبا الخلفية في وجه موجات الهجرة الأفريقية.

وفق ما حملته الأخبار فإن المؤتمر استقبل 20 دولة مطلة على البحر المتوسط أو تنتمي جغرافياً إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي في شخص رئيسة المفوضية ورئيس المجلس، والاتحاد الأفريقي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، وجهات أخرى مختلفة، أما التوصيات فقد تركزت على تحسين التعاون بين الدول الأوروبية والأفريقية، وتوفير أشكال من التمويل لدول انطلاق اللاجئين، ومكافحة شبكات تهريب البشر عبر البحار، والوعد بتنظيم مؤتمر قريب للمانحين حول الهجرة.

ميلوني أقرت بأن الهجرة هي “الخيار الجبري” لبشر فقدوا الأمل وضاقت الأمكنة بهم، وأنها من منتجات التفاوت الهائل ما بين مراكز العالم واطرافه، كما أقرت بأن الهجرة تتجه من بلاد منهوبة إلى بلاد ناهبة، ما يعني هجرة من أرض العبودية إلى أراضي صانعي العبودية، وكلها إقرارات بالغة الجدية، غير أن جدية التوصيف هذه لا تعني جدية الحلول، فالحلول لابد بعيدة وواسعة ولابد تتطلب نظاماً عالمياً حتماً ليس عالم “المليار الذهبي” الذي يقابله مليارات من روبابكيا وأوحال، وحتماً لن يحدث هذا الانقلاب والقوّة متمركزة كما المال متمركز كما التكنولوجيا، وانتقال كهذا لن يحدث كمنتج لمؤتمر، ولا كمنتج للكلام، فالكلام بالمجّان، لايزيد قيمة عن الهواء.

الهواء وقد بات الغذاء شبه الأوحد لعوالم الأطراف المنهوبة.

اليوم، السيّدة الطليانية تشخّص المشكلة ولكن.. لكن ماذا؟

ـ ذات يوم خاطبت الامبراطورة الفرنسية ماري انطوانيت جوعى فرنسا بالقول:

ـ إذا لم يتوفر الخبز كلو “الكيك” أيها السادة.

واليوم، بماذا ستخاطب السيدة الطليانية جائعي العالم المهاجر؟

حتماً ستقول لهم:

ـ كلو الهواء أيها السادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى