السويداء.. مدينة الظل والحَيرة في المشهد السوري

تاريخ وتساؤل
يعتبر بعض الناشطين السوريين، أن المحافظة بقيت على ولائها لنظام الأسد منذ انطلاق الثورة 2011.. لتشكل احتجاجاتها وتصرفات بعض أفرادها مثار تساؤلات خاصة عن الموقف الحقيقي لمحافظة ذات بعد خاص، الطائفة فيه تتحكم وتغاير ما يراه البعض صراعًا سنيًّا علويًّا، فيما اعتبره البعض انحياز أقلية نحو أقلية، واستغرب آخرون كون الثورة السورية ثورة كرامة وليست ذات بعد طائفي أو ديني بمفهومها العريض، الأمر الذي يجب أن يدفع السويداء للانتفاضة بوجه النظام منذ البداية!.
لكن الذي يبدو من مختلف التقاطعات، أن السويداء ومع تحولها لساحة تنافس بين الموالين والمعارضين، اتبعت سياسة نأي بالنفس “حياد” بهدف حماية الطائفة خارج دائرة الصراع المعقد في سورية، لكن ابتعادها جعل الصراع ينتقل إليها.
النظام والاصطياد بالماء العكر
تمثل نهج نظام الأسد ومنذ تسلم حزب البعث السلطة في سورية، تدمير المجتمع السوري بطرق ممنهجة ومدروسة بأقذر الوسائل وأحط الأساليب، فعمل على بث الفرقة والانقسام بين المجتمع وطوائفه وبين أبناء المجتمع والطائفة الواحدة، وهذا كان تعامله مع السويداء.
صدامات ومواقف
لم يقبل النظام – كما أشرنا – بحياد الدروز وأهل السويداء، فاتبع كل الأساليب الملتوية لجرهم إلى صفه في معاركه التي يخوضها ضد الشعب السوري، بدأت عمليات الترهيب لأهالي السويداء مع اغتيال شيخ العقل الأول للطائفة “أحمد سلمان الهجري” بداية عام 2012 بسبب مواقفه المضادة للنظام وتراجعه عن دعم أي توجهات أو خطوات من قبل نظام الأسد.
البلعوس.. موقف ثائر
أطلق الشيخ الدرزي “وحيد البلعوس” مقولة هزت السويداء كلها ومعها نظام الأسد، ” لا لحرق الدروز في سبيل معركة الأسد”، وترافق تصعيد البلعوس ضد النظام مع انحياز الشارع الدرزي تجاه الثورة ضد الأسد، رغم الحذر العميق من حيثيات الثورة السورية “لأسباب عديدة” لكن يبدو أن الدروز اقتنعوا أن شر النظام أكبر وأشد وأخطر من أي شر محتمل للمعارضة ويكفي حالات استنزاف شباب الطائفة كدليل ودافع لذلك.
قرر النظام عام 2015 تصفية البلعوس والانسحاب من السويداء ليستبدل بالسيطرة على الدروز، خيار الفوضى واللعب على اوتارها في السويداء.
تردد درزي
تتعدد الأسباب التي جعلت من أهالي السويداء منقسمين في موقفهم من الثورة والنظام والميل نحو الحياد الذي يتأرجح بين السلبي والايجابي، العوامل والأسباب متداخلة، بين ضياع طاقات الشباب وأعداد أفراد الطائفة لعوامل الهجرة والفقر وغيرها.. يضاف لذلك استغلال النظام لمختلف الأحداث لإذكاء النار الطائفية مع ضعف في إدراك المعارضة وقياداتها لأهمية ملف الأقليات والاختلافات الدينية والأثر المرتبط بذلك.
حياد إيجابي واضح
رغم محاولات النظام جر الدروز للاصطفاف الكلي وراءه واتباع سياساته بشكل كامل، لكن السمة الأبرز في التحرك الدرزي وأهل السويداء ما يمكن أن نطلق عليه مسمى الحياد الايجابي، الذي تعددت وتنوعت مظاهره وخطواته.
وبعد اغتيال البلعوس، ثار الشعب الدرزي في السويداء، وتوجهت مظاهرة غاضبة فاقتحمت فرعي الأمن العسكري والجنائي ، بعد تحطيم تمثال حافظ الأسد، حيث سقط عشرات الجرحى والقتلى لكن المتظاهرين نجحوا برفع علم الثورة.
هذا ويعتبر الموقف الشعبي الأبرز والأهم، رفض أهالي السويداء إرسال أبنائهم “حوالي 50 ألف شاب” للخدمة في قوات النظام، ورفض تسليم المنشقين والفارين من خدمة العلم، لتصبح تلك النقطة بين مد وجزر بين الأسد والسويداء وتقديمه خيار جيشه أو داعش، حيث بقي يسعى لإدخال جيشه والسيطرة على المدينة.
تطورات أخيرة
في فلم “دم النخيل” الذي أنتجته مؤسسة السينما التابعة للنظام، ظهر جندي في جيش النظام من أبناء محافظة السويداء، بمظهر الجبان الخائف.. الأمر الذي تسبب باستفزاز أهالي السويداء واعتبروه محاولة مخابراتية للانتقام من أهالي الجبل، لرفض شبابهم الانخراط في جيش الأسد.
ومع تدهور الاقتصاد السوري وانحدار العملة بشكل مرعب، خرجت مظاهرات احتجاجية في السويداء تحت مسمى “بدنا نعيش” تضامنت معها مناطق وشخصيات أخرى، مما سبب رعبًا للأسد ونظامه حملتها تصريحات المسؤولين المتململة والخائفة من مجريات الأمور ومآلاتها هناك.
وبما أن قدرة الأسد الفعلية على تحسين الواقع الاقتصادي تكاد تكون معدومة، فإن الاحتجاجات في السويداء لا يستبعد أن تكون شرارة جديدة تنطلق نارها لتحمل بقية محافظات سورية على الانتفاضة ضد نظام مجرم لم يعد يملك حتى إطعام من يحكمهم بالحديد والنار, فعل نشهد نارًا جديدة تشعل الجماهير السورية وتذكي نار الثورة بشكل يشابه لما قامت به درعا قبل تسع سنوات.