fbpx

اقتصاد المغرب بين حجر محتمل وفوائد متوقعة

مرصد مينا – هيئة التحرير

حملت كلمات الملك المغربي الأخيرة في خطاب العرش وذكرى ثورة الملك والشعب، تحذيرات واضحة من إغلاق شامل وحجر جديد يتناول الحياة المغاربية إذا ما استمر تدهور الأوضاع الصحية المرتبطة بكورونا المستجد على ما هو عليه في البلاد، التي تشهد ارتفاعًا ملحوظا بنسبة الإصابات.. تحذيرات الملك كانت رسائل خاصة للمواطنين لإعانة البلاد في أزمتها الحالية ما يؤكد على حتمية سؤال جوهري حول قدرة اقتصاد المغرب على تحمل نفقات حجر شامل جديد!

الشعب ينتظر

تعتقد أوساط كبيرة من المغاربة أن حكومة البلاد ستقوم، في لحظة ما، بتطبيق حَجر صحي شامل في البلاد مع استمرار تصاعد أرقام الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد. وكان المغاربة قد عاشوا تجربة الحجر الصحي في شهر مارس آذار المنصرم مع تسجيل أولى إصابة بالفيروس في البلاد، واستمر ذلك لأكثر من شهرين، لكن الحجر ذاك أضر بالاقتصاد الوطني بشكل كبير.

الملك محمد السادس وفي خطاب العرش الأخير، أكد أنه إذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.. في إشارة إلى أن تدهور الوضع الصحي قد يدفع اللجنة العلمية المختصة بوباء “كوفيد-19” إلى التوصية بإعادة الحجر الصحي.

انكماش ومعاناة

كنتيجة مباشرة للحجر الصحي الماضي، سيُعاني الاقتصاد المغربي من انكماش خلال السنة الحالية، في منعكس جديد لم يسجل منذ تسعينات القرن الماضي، بعد أن تضررت قطاعات عديدة نتيجة توقف الحركة الاقتصادية.. حيث أفاد بيان للمصرف المركزي في المغرب شهر يونيو حزيران الماضي، أن ركودًا اقتصاديًا بمعدل 5,2 بالمئة يتوقع أن يسجل في البلاد هذا العام، وهو الأشد منذ 24 سنة.. حيث تعود أسباب هذا الركود أساسا إلى “التأثير المزدوج للجفاف والقيود المفروضة للحد من انتشار وباء كوفيد -19”.

انعكاسات الحجر الصحي ضربت كل فئات المواطنين العاملين، لكن التأثير الفعلي كان أكثر لدى العاملين في القطاع غير المُهيكَل. وتُشير تقديرات حديثة للمندوبية السامية للتخطيط إلى أن أكثر من خمسة ملايين أسرة، أي ما يفوق نصف سكان المغرب، يعيشون من أنشطة غير مهيكلة. وتبقى إشكالية الحجر الصحي الاقتصادية على الدولة بما تسببه من خفض مداخيل الجباية للدولة، الأمر الذي  رصدته تقارير وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة خلال الأشهر الماضية بشكل كبير.

(هذا ما لوحظ مع مجموعة من البلدان التي لم تقم بإعادة تطبيق الحجر الصحي الشامل بعد ارتفاع الإصابات لتفادي تعطيل الاقتصاد، لكنها طبقت استراتيجيات محلية تنسجم مع خطورة الوضع في مناطق بعينها) وهو ما جرى في المغرب كذلك.

ضعف القدرات

اعتبر الخبير الاقتصادي عبد العزيز الرماني، فيما نقلته عنه وكالة «هسبريس» الإخبارية، أن الحجر الصحي الذي طُبق في مارس آذار المنصرم أظهر أن قُدرات الاقتصاد الوطني لا يمكن أن تتحمل حجرًا شاملًا لمدة زمنية طويلة.

ليؤكد الرماني، في حديثه، أن السلطات لجأت مؤخرًا إلى تطبيق حجر صحي شامل بطريقة مختلفة، وذلك في مُدن بعينها عرفت تسجيل حالات كثيرة. حيث اعتبر المتحدث أن “تجربة الحَجر الصحي السابق كانت لها تداعيات كبيرة تم تخفيف جزء منها بفضل موارد صندوق تدبير جائحة كورونا التي بلغت 33 مليار درهم، لكن مثل هذا الرقم لن يكون بالإمكان جمعه من جديد”.

أما الحجر الصحي الشامل في الفترة الحالية، فإنه وبحسب الخبير: “سيُجهض أو يؤجل خطة الإنعاش الاقتصادي التي رصد لها مبلغ 120 مليار درهم، ومشروع تعميم التغطية الاجتماعية على المغاربة”، مؤكداً أن “التداعيات ستكون أكبر مما سبق، خصوصًا على مستوى البطالة ونفسية المواطنين”.

ليؤكد الخبير الاقتصادي على أن الظرفية الحالية تُحتم “اعتماد يقظة وطنية لمواجهة الجائحة كما واجهتها دول العالم عبر الإجراءات الاحترازية والوقائية لتفادي سيناريو إعادة الحجر الذي سيترتب عنه نتائج قاسية كما وصفها الملك، وهو وصف واقعي” وفقًا للرماني.

إلى ذلك فإن “حوالي 70% من المقاولات في المغرب تضررت وتوقفت أنشطتها كليا أو جزئيا”.. ليؤكد تلك الارقام المحلل الاقتصادي والأستاذ الجامعي، عبد النبي أبو العرب، مضيفًا أن “ما يقرب من المليون أجير توقفوا عن العمل”. ومن المتوقع أن تكون نسبة النمو في البلاد سالبة بنسبة 3% على أحسن تقدير، يقول أبو العرب، إذ “من الممكن أن تكون أكثر سوءا إذا طالت الجائحة”.

أرقام… إشكالية وتعقيد

على الرغم أن كثيرًا من المغاربة يرون في أرقام الإصابات اليومية كثيرًا من الهلع والخوف… إلا أن البعض يظهر نوعًا من التراخي والتهاون بهذا الأمر بتأكيد أن هذا الوضع أمر طبيعي وتعرفه عدد من بلدان العالم، وهو مسار طبيعي للوباء.

منظمة الصحة العالمية، وفق بعض التقارير ترى أن إعادة فرض الإغلاق الشامل والحجر الصحي ليست حلاً سحرياً لإنهاء تفشي الوباء، بل تنتج عن ذلك عواقب صحية واجتماعية واقتصادية كبيرة. وإذا كان الحجر الصحي مُساعدًا على التحكم في عدد الإصابات، لكنه ليس حلاً يمكن تطبيقه على المدى الطويل، لأن هناك ضرورة لاستئناف عجلة الاقتصاد وحركة المجتمعات.

ولم يُعرف عبر العالم أن دولةً نجحت في منع انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن التجارب القليلة التي نجحت في التحكم فيه تُظهر أن الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية أمر حيوي يُساهم إلى جانب إجراءات الحكومات في تخفيف الوضع. وتبقى الفحوصات واسعة النطاق وتتبع المصابين والمخالطين وتجهيز المرافق الصحية والتباعد الجسدي وارتداء الكمامات من طرف المواطنين، أمورا بالغة الأهمية في معركة فيروس كورونا المستجد.

بدوره، يرى جمال الدين البوزيدي، الطبيب الاختصاصي في الأمراض الصدرية والحساسية والمناعة ورئيس العصبة المغربية لمحاربة السل والأمراض التنفسية، أن التغيرات الحاصلة بالشارع المغربي في الوقت الحالي تدعو للتفاؤل، فقال إن “رد فعل الشعب المغربي في الوقت الحالي هو إيجابي”. ليطلق البوزيدي مخاوفه: “نتمنى ألا نصل إلى حجر صحي كامل، إذ ستكون له نتائج كارثية ووخيمة على كل الجوانب سواء الجانب الاقتصادي والمالي والنفسي والاجتماعي، وسيكون من القرارات الأليمة والصعبة”.

أما عن الأسباب التي قد تؤدي إلى عودة حجر صحي كامل فلخصها رئيس العصبة المغربية لمحاربة السل والأمراض التنفسية في قلة الإمكانيات، قائلًا: “إمكانياتنا في المجال الصحي ومن حيث عدد الأطباء والممرضين والتقنيين محدودة، ولا يمكن مواكبة التزايد الكبير لعدد الحالات، كما أن عدد الأسرة في الإنعاش محدود”.

فرصة ووسيلة

شدد الاقتصادي المغربي عبد النبي أبو العرب، فيما نقلته عنه أصوات مغاربية، على أن الرهان الحالي يتمثل في “الحفاظ على الشركات من الإفلاس” و”الحفاظ على الرأسمال البشري”، مشيدًا في السياق بالإجراءات والمبادرات التي أطلقها المغرب، من قبيل دعم الأسر والفئات الهشة. 

في ذات الوقت، يؤكد أبو العرب أن “المغرب لديه فرص كبيرة للخروج من الجائحة بمقدرات وإمكانات أكبر”. وإحدى تلك الفرص “التي يجب القفز عليها” وفق الخبير، تتمثل في “اقتناع أوروبا والاقتصاديات الكبرى أن الارتباط بالصين أصبح مشكلة وأزمة في حد ذاته” و”اقتناع الجميع بضرورة تنويع الفرقاء الاقتصاديين”. ما يمنح المغرب إمكانيات كبيرة في ذلك الإطار ستمكنه من “العودة إلى الساحة الاقتصادية الدولية”. 

فرصة أخرى وفق الخبير تتمثل في “الاقتصاد الرقمي” الذي برزت أهميته في ظل هذه الأزمة، وهو ما يثبته كون “الشركات الوحيدة التي حققت أرقاما إضافية في معاملاتها، في هذه الظرفية، هي تلك التي كانت منخرطة كليا في هذا الاقتصاد”. 

تعقيدات وتداخلات تؤكد أن المغرب أمام أزمة فعلية ترتبط باقتصاده يستطيع إذا أحسن استغلالها بنقلها إلى أرباح تنعكس على بنيته الاقتصادية والاجتماعية، لكنها تبقى رهينة استجابة الحكومة والشعب للتغيرات الجارية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى