fbpx

شهود يهوه ماذا يفعلون في سوريا؟!

هي دقائق معدودة من وقتك يطلبها غرباء حاملين كُتيّباتهم ومنشوراتهم يبشّرون بمذهب “شهود يهوه”، أشخاص من مختلف الأعراق والأديان حول العالم يتّحدون خلف أهدافهم، فهم متطوعون للرب “يهوه” الذي خصّهم وحدهم في سفر ملاخي 3: 17((يكونون لي قال رب الجنود في اليوم الذي أنا صانع)) وسوف ينقذهم الله ويسكنهم في فردوس قائم على أنقاض الأمم الأخرى. الدعوة والتأسيس يحمل شهود يهوه دعوة انبثقت من المسيحية، ثم ابتعدت عنها آخذة لنفسها مفاهيم مغايرة وأطراً خاصة، وحسب د.عبدالوهاب الميسيري يؤمن أتباعها بعدد من عقائد “المشيحانية- المسيح المخلص” الصهيونية، ويقولون في تعريف ذواتهم في كتابي “ليكن الله صادقاً” و”النور لطلاب الحياة” بأنهم فئة من المكرّسين أنفسهم لفعل إرادة الله بقيادة ابنه المسيح القادم، وتجمع بين أفرادها رابطة الشهادة بأن الإله المسمى “يهوه” هو الأوحد والعلي المفرد في الكون، والذي له شهوده على الأرض منذ بدء الخليقة، غير أنهم لم يؤلّفوا قبلاً كتلة متلاحمة للقيام بحملة منظمة كما يؤلّفونها اليوم. أسس هذه الحركة “تشارلز تاز رسل” الإيرلندي الأصل ولد عام 1852 في بنسلفانيا الأمريكية، وتأثر بأفكار “الأدفنست أو السبتيين”، وسُميت في بداية تأسيسها عام 1881 “برج مراقبة صهيون للكراريس” ثم “برج مراقبة الكتاب المقدس، بنسلفانيا”، ورُخّصت رسمياً باسم “تلاميذ الكتاب المقدس” كحركة تجارية ومؤسسة للطباعة والنشر وليس كجمعية دينية عام 1984، حسب ما وورد في مجلّة “برج صهيون للمراقبة” سنة 1895، وتصدر لهم شهرياً أكثر من 90 مليون نسخة بـ 144 لغة من مجلة “برج المراقبة”، وما يعادلها من مجلة “استيقظ”، عدا عن الكتب ككتاب “ماذا يطلب الربّ منا” الذي يطبع ويباع بكافة اللغات. يقود الجماعة الآن “ناثان هومر” الذي جعلها مؤسسة كبيرة ذات موارد ضخمة ومكتب دعاية دائم. العقائد الإيمانية لشهود يهوه ديانة سهلة الممارسة، لا عبادات أو التزامات روحية أو أسرار فيها، إنها صلاة وتأمل في الكتاب المقدس ومجموعة وصايا حياتية، والإلزام الوحيد المفروض عليهم هو التبشير “الكرازة ببشارة الملكوت”. تنصّ عقائدهم على الإيمان بوجود الله خالق كل شيء وأن “ملكوت الله” هو حكومة قائمة في السماء وليست حالة عاطفية في قلوب المسيحيين، وأن 144 ألف مسيحي منهم فقط سيحكمون مع المسيح في السماء، وسينعم الباقون بفردوس الأرض. فالقيامة تكون حين يُبعث البشر جميعاً كمخلوقات جديدة مختلفة عما كانوا في حياتهم السابقة. يهوه والمسيح يفتخر الشهود بالمسيح باعتباره (ملاك) أصبح بشراً بعد نزوله إلى العالم ليكون مُرسلاً أو مُفوضاً مع عدم الاعتراف بألوهيته وبصلبه وقيامته. فالإله هو “يهوه”، والمسيح مازال غير منظور وأنه سيحضر إلى الأرض عام 1874، وأن القيامة ستحدث بشكل غير مرئي وستنتهي عام 1878، ما يجعلهم يرتبطون باليهودية أكثر من المسيحية في فهمهم للمسيح المنتظر، أما نسبتهم للأريوسية المسيحية التي تقول أن أقنوم الأب فقط هو الإله المطلق، أما الإبن والروح القدس آلهة مخلوقة، فهي لتأكيد رفضهم من قبل المؤسسة الكنسية، وليس فيما يخصّ العقيدة. لا يعترفون بالطوائف المسيحية الأخرى، ولا يرفعون التماثيل ولا يكرّمون الصليب والأيقونات. الشعب المختار تنبأ الشهود بنهاية الأزمنة لجميع الأمم عدة مرات في الأعوام (1914، 1918، 1925،1975) استناداً إلى رموز دينية تنسجم مع فكرة انتظار “المخلّص” والمعركة الفاصلة “هرمجدون” التي تشكل تقاطعاً رمزياً بين الديانتين المسيحية واليهودية كما في سفري “التكوين” و”حزقيال:38 و39″، وفي رؤيا يوحنا “سفر الرؤيا:16” وبشارة إنجيل “متى: الإصحاح 4”. وقعت الجماعة في إشكال التنبؤات التي التفّ عليها “جوزيف رذرفورد” عقب وفاة “راسل” عام 1916 وتسلّمه الشهود بالتوجّه الكامل نحو الإيمان بالله حسب ما ورد في سفر الخروج التوراتي، وأن انحراف اليهود وموالاتهم للحكومات العلمانية يجعل الشهود هم “الشعب الروحي المختار” والوحيد. كانت دعوتهم ومعتقداتهم سبباً في اعتبارهم بالنسبة للديانة المسيحية “الأرثوذكسية والكاثوليكية” حركة مارقة كالحركات المتهوّدة والمتصهينة الساعية لتدمير المسيحية، واعتبرهم “هتلر” حركة صهيونية شيوعية سرية هدفها تدمير الأمم في معركة “هرمجدون”. الممنوعات يمتنع الشهود عن تناول لحم حيوان لم يُستنزف دمُه، ويحرّمون إدخال الدم إلى الجسم، فيرفضون نقل الدم لمرضاهم حتى لو ماتوا ، فدخول الدم إلى الجسم يشبه الزنا وينهى عنها الكتاب المقدس. لا يحتفلون بعيد الميلاد باعتباره طقساً وثنياً ولا يعترفون بالصوم الكبير ولا عيد الفصح. والتعميد عندهم يتم بإغراق الجسد كله في الماء. لا يصلّون يوم الأحد، ولا يقيمون شعائر السبت فهي تنطبق على اليهود وحدهم. لا يؤمنون بالوطن ويعتبرون حكومات الأرض هيئات أوجدها الشيطان لتنوب عنه في نشر رجاسته، لهذا لا يخضعون للواجبات الوطنية: “دفع الضرائب، الخدمة العسكرية، تحية العلم، الانتخابات”، فهي نكث للعهد جزاؤه الموت. يتهمون النظام التعليمي بالسطو على عقول البشر. يعتبرون الأديان رجاسة وعبادة وثن، وتتواطأ الديانة والسياسة والاقتصاد لمقاومة “يهوه”  والتجديف عليه. آلية العمل ينظّمون أنفسهم ضمن مجموعات، يخاطبون بعضهم بعضاً بصفة الأخ والأخت، يتلقون إرشاداتهم من “برج المراقبة”، ويقود ما يعرف بالشيخ اجتماعاتهم في “قاعة الملكوت” البناء البسيط المتناسب مع حالتهم المادية. يشترط في الأتباع الالتزام بمشورة “يهوه” بالامتناع عن الموبقات وتمرّ العضوية لديهم في ثلاث مراحل الانتذار (نذر النفس) ليهوه، المعمودية، التبشير. وشعارهم “المراقبة، الانتظار، العمل”. التبشير منذ انطلاقتهم كانت عقيدة «نقل البشارة» والكلام عن «خلاص أبدي» أحد أهدافهم. فهم يشددون في بشارتهم على إظهار علامات “حضور المسيح واختتام نظام الأشياء”. أُتهموا عربياً بالصهيونية والعمل على زعزعة الإسلام والمسيحية وتشويه حقائق القرآن والإنجيل. ووفقاً لتقرير الرابطة الأوروبية للشهود، فإن المنظمة قد حُظرت في الدول العربية عام 1964 بموجب القرار رقم 570، ومُنعت من ممارسة أي نشاط في سوريا والأردن، وأصدرت مصر في حزيران 1960 قراراً يقضي بحلّهم ومصادرة أموالهم، ورفض لبنان في 1971 الاعتراف بمنظمتهم أو دخول مجلّتهم “برج المراقبة” إلى أراضيه. لكن التقارير تشير إلى فروع لهم في كل من (مصر، الأردن، لبنان، تونس) رغم المنع، فهم في تزايد مستمر بحسب مبشريهم. اشتعل فتيل التبشير لشهود يهوه سنة 1990 وشهد العالم أكبر تحرك لهم، فقام حوالي 8 ملايين منهم في 240 بلداً للتبشير بيوم “يهوه” اليوم الذي سينقذ الله فيه خدّامه. فحرب الخليج الثانية وقربها من منطقة جبل مجدو في فلسطين، والطاقات العسكرية والاقتصادية الهائلة التي حُشدت لها، عُدّت اختباراً ليوم “هرمجدون” الذي سيشمل كل الأرض.‏ (إرميا ٢٥:‏٣٢-‏٣٤،‏ حزقيال ٣٩:‏١٧-‏٢٠‏). اعتُبرت الحروب والفوضى في الشرق الأوسط إشارات، وأن الله يستخدم أسلحته كالبَرَد ‏والنار والكبريت‏ والبلبلة وغيرها في صفوف أعدائه “بحيث يقتل بعضهم بعضاً،‏ حتى يدركوا أن الله هو مَن يحاربهم”.‏ (حزقيال ٣٨:‏٢١،‏ ٢٣، زكريا ١٤:‏١٣‏)، وأن ( المسيّا- المسيح المنتظر) بات حضوره قريباً. وقد  تطوّع منهم 11000 جندي دون مقابل في صفوف الجيش الأمريكي إبان حرب العراق، رغم النهي، تمهيداً لظهور المسيح فقط، ونقلوا بعض منظماتهم للعمل في العراق. تصاعد نشاطهم التبشيري بين اللاجئين السوريين والعراقيين في ألمانيا وتركيا ولبنان وغيرها، وهم يقدّمون عروضاً مثيرة “وعد بمعاش شهري للفقراء، عمل، جنسية،..” مقابل الدخول في منظمتهم. التبشير في سوريا رغم ما تعرّض له الشهود فيها سابقاً من ملاحقات وحظر، إلا أن الكثير من الدلائل تشير لنموّهم  في الظل وتثبيت وجودهم، ففي العام 2010  أكّد الرئيس الروحي للكنيسة الإنجيلية العربية في حلب، قيام السلطات بإغلاق عدد من الشقق التي يستخدمها الشهود في حلب وغيرها من المناطق السورية، وندد بذلك تقرير الخارجية الأميركية عن الحرية الدينية في سوريا. أما السياسي والكاتب “جويل روزنبرغ” أحد المستشرقين الإنجيليين المتمسكين بالنبوءة التوراتية، فقد وصف ما يحدث في سوريا، بأنه تحقيق لماورد في سِفري “إشعيا” و”إرميا”، من تنبؤ بدمار يحلّ بمدينة دمشق ويجعلها “كومة من الركام”، والتي تُعدّ بالنسبة للشهود جزءاً من نبوءاتٍ قيد التحقق. الاختراق الذي حققه الشهود في سوريا، لا يمكن التحقق من كثافته بسهولة، لانعدام الاحصائيات ولبقاء تجمعاتهم واجتماعاتهم خارج دائرة الضوء. لكن انتشار التوزيع المجاني لمنشوراتهم “روزنامات وكتيبات” في الكثير من المناطق التي يسكنها المسيحيون في معظم أنحاء سوريا، والتبشير الذي صار علنياً بخاصة في بعض المناطق التي لهم وجود قديم فيها كـ “حلب ووادي النصارى”، يدّل على نشاطهم دون خوف بسبب تغاضي الجهات الحكومية عن ملاحقتهم كجماعة دينية ممنوعة، ومحاولتهم الاستفادة من المتغيرات الحاصلة في سوريا كبلد مبتلٍ بالاستبداد والطائفية والإرهاب، والتي جعلت من الطبيعي أن تطفو للسطح كل عُقد المجتمع لتعبّر عن نفسها بعد عقود من الكبت والقمع، وأنه في مثل هذه الحروب يشتد ميل الأفراد للتديّن طلباً للحماية والنجاة، ويصبح المجتمع مكشوفاً لاستقبال أفكار وطرق حياة مختلفة، تحت عناوين المساعدات والقيم الإنسانية، لتحفر لها مكاناً بين المكونات بحجة التبشير والدين الحقّ. خاتمة: خطر شهود يهوه ليس في انتشارها بل في انتهاجها إلغاء الآخر الديني وامتلاكها وحدها الحقيقة، وتزييف الوعي حول الأديان والعلم والإنسان، إضافة لسياستها في الهروب للأمام وزرع الخوف عبر التبشير بالنهاية حيث “معصرة الرب”. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى