fbpx

أثر الحرق سيزول قريباً قالوا له.. عمالة الاطفال في العراق

واحد من أصل خمسة أطفال في العراق يعمل دون السن القانوني بنسبة تصل إلى 5 بالمئة من مجموع السكان بحسب أرقام وزارة التخطيط ،أي مايقارب مليون ونصف طفل تتراوح أعمارهم بين (5-17) سنة اضطروا للعمل لإعالة أنفسهم وأسرهم في الوقت الذي يعاني العراق من أزدياد نسبة البطالة التي وصلت 32 بالمئة من قوى العمل . وعلى مدى السنوات الماضية، أصدرت العديد من المنظمات المحلية والدولية المهتمة بالدفاع عن حقوق الأطفال ، تقارير انتقدت فيها تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في العراق ، مطالبة الحكومة بالتدخل لاحتواء الظاهرة . التفجيرات وقد غيرت حياتهم : ترك محمد علي المدرسة بعد أن قضى والده بانفجار في العاصمة بغداد. الطالب في الصف السادس بات مطالبًا بإعالة أسرته الصغيرة، فاللغم الذي اغتال والده اغتال كذلك أحلام الصغير في إتمام تعليمه. وأجبره على الخروج للعمل من مطلع الشمس إلى مغيبها. محمد يقول “لا أستطيع أن أرى عائلتي تعاني دون البحث عن أي عمل حيث كان عليّ أن أوفر الطعام لإخوتي ووالدتي التي تعتني بهم ولن أسمح أبداً أن تخرج هي للبحث عن عمل وأنا موجود”. وكونه الأخ الأكبر بين ثلاثة أبناء صار يقضي (12) ساعة في حمل الأحجار والرمل مكتفياً بوجبة واحدة لا يتعدى ثمنها ألفي دينار، ليعود إلى أمه في بداية الليل يسلمها كامل أجره وهو (15) ألف دينار ويطمئن على أخوته قبل أن يأوي إلى جوارهم محتلاً نصيبه من الفراش. حيدر طفل آخر لم يتجاوز عشرة أعوام يقول “رؤية أصدقائي يذهبون إلى المدرسة تؤلمني ولكن ما باليد حيلة”. ويضيف حيدر وهو يخفي على استحياء حرقا أصاب يده عندما التحق بالعمل في ورشة للحدادة في قلب بغداد أن “المسؤول عن الورشة قال لي حينها إن أثر الحرق سيزول قريبا ومنحني عشرة آلاف دينار لكنها لم تكن كافية لشراء علاج الحروق”. ويتابع “أتمنى لو أستطيع العمل لساعات إضافية للحصول على أجر يعادل أجر والدي وأوفر له تكاليف الدواء الذي يحتاجه ليتعافى وأعود أنا إلى المدرسة مرة أخرى”. سامر (8 أعوام) قصة أخرى لطفل يعمل، إذ لم ير الطفل الذي فقد والده بانفجار سيارة مفخخة قبل ثلاث سنوات مقاعد الدراسة قط ولم يجلس عليها في يوم من الأيام، وذلك لتفرغه للعمل في ورشة خاصة بـ”النجارة”، مع أخيه الأكبر لكي يؤمن قوت عائلته. يتقاضى سامر مبلغاً قدره (300) ألف دينار شهرياً، يدفعها إلى صاحب الدار الذي يسكن فيه برفقة والدته المريضة وأخواته الثلاثة. قوانين ولكن…. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهي المؤسسة المعنية أكثر من غيرها بتنظيم العمل بأطر وقوانين أكدت رصدها انتهاكات ضد عمالة الأطفال دون السن القانوني المسموح به وهو (15) سنة. ويقول المتحدث باسم الوزارة عمار منعم إن “هيئة رعاية الطفولة شكلت فريقا للحد من الظاهرة”، مشيراً إلى أن “من بين الإجراءات تحديد المناطق التي تتركز فيها عمالة الأطفال لانتشالهم من هذا الواقع”. وفي السياق ذاته يقول مسؤول شعبة مكافحة عمالة الأطفال في الوزارة طه محمود، إن “الشعبة تمتلك رؤيا واضحة وفق قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 اذ يحتم علينا رصد ومراقبة عمالة الأطفال”. ولفت إلى أن “الإجراءات المتبعة في حال وجود مخالفة تبدأ بتوجيه الإنذار لصاحب العمل بحسب الفقرة الثانية من المادة (95) من قانون العمل، وفي حال عدم الامتثال للتنبيه يتم رفع المخالفة إلى محكمة العمل لإصدار الأحكام بحقهم”. مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية العميد خالد المحنا قال بدوره إن “فرق الوزارة تعمل على شكل مراحل في متابعة هذا الملف إذ أنها توافق على عمل الأطفال في سن صغير لكن في أعمال غير خطرة وذلك بسبب انتشار الفقر في العراق”. ويضيف أن “فرق الوزارة تحاسب أصحاب الورش ذات المهن الخطرة على الموافقة على عمل الأطفال، وأحياناً تقوم بسحب تربية الأطفال من آبائهم في حال تكرار الأمر”. ويضمن قانون التعليم الإلزامي العراقي في المادة 15 التعاون بين وزارة التربية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لضمان تطبيق الأحكام التشريعية الخاصة بعدم تشغيل الأحداث قبل إكمالهم الخامسة عشرة، وإخضاع المخالفين للعقوبات المنصوص عليها في قانون العمل. بينما نصت المادة (29) من الدستور العراقي‌ على أن تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى الناشئين والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم، فضلا عن حظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصوره كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم. لكن يبدو أن قصور تطبيق تلك القوانين تسبب في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال وانخراطهم في مهن خطرة لا تتناسب مع أعمارهم وقواهم البدنية. المشاكل النفسية هي الأخطر: الأعمال الشاقة والخطيرة التي يؤديها الأطفال تنعكس بشكل مدمر على صحتهم ونموهم بالدرجة الأولى فحمل الأشياء الثقيلة وجر العربات ونقل البضائع وتفريغها يشوه عظامهم ويؤدي إلى أمراض مزمنة في الفقرات قد تمتد لباقي حياتهم ،بالإضافة لتعرضهم للمواد السامة نتيجة عملهم في مهن كالزراعة (مبيدات سامة) أو في المصانع والورش (مواد كيمائية ،أبخرة الرصاص والزرنيخ والبلاستيك) مما يؤدي إلى اصابتهم بأمراض خطيرة . تكمن المشكلة الأهم والأخطر في الآثار النفسية السيئة التي يعانيها الأطفال في سوق العمل والتي لاتقف غالبا عند مرحلة الطفولة وتمتد إلى كامل حياتهم، حيث تسيطر عليهم مشاعر الحرمان والاستغلال والخوف بالإضافة إلى الإكتئاب والقلق وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين ،عدا عن الانتهاكات الجنسية أو العنف الذي يمكن أن يتعرضوا له في هذه الأماكن. كما أن التسرب من المدرسة والانقطاع عن التعليم يقلل من قدرات الطفل العقلية والمعرفية والعاطفية ويخلق شخصية مضطربة وجاهلة تكون أكثر عرضة للانحراف والانخراط في أعمال العنف والإرهاب مستقبلا. أحلام الأطفال بحياة أفضل تتبخر أمام واقع الفقر والعوز والأزمات الإقتصادية التي يمر فيها العراق،الوعود الحكومية باحتواء الموضوع بقيت حبرا على ورق ولم تحد من انتشار الظاهرة التي تزاد يوما بعد آخر،فأي مستقبل ينتظر أطفال العراق ؟ وهل بات البلد الذي كان يفخر بثرواته وعلماءه عاجزا اليوم أن يطعم صغاره ؟ مينا / عن نقاش مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى