أيّ “إرشاد رسولي” ينتشل لبنان؟
ليس اللبنانيون وحدهم من يتساءل إذا كان بلدهم سيبقى، بل سينتقل هذا التساؤل إلى “الفاتيكان” الذي يعتبر نفسه الأب الروحي لمسيحيي لبنان، أما توقيت السؤال ومناسبة السؤال ودوافع السؤال، فتبنى على أمرين:
ـ اولهما الانهيارات المتتالية للمؤسسات والدولة في لبنان وما يعقبها من هجرة.
وثانيهما التحوّلات الديمغرافية التي يولدها النزوح السوري إلى لبنان، إلى الدرجة التي تولد عن هذا السؤال سؤالاً آخر هو:
هل يصير لبنان سوريّاً بالمعنى الديمغرافي؟
هذا سؤال كبير بدأ يؤرّق الفاتيكان، وبات بديلاً للسؤال المتعلّق بـ”هجرة المسيحيين”. إذاً بات السؤال: هل يصير لبنان بلداً بأقليّة لبنانية وأكثريّة من جنسيات أخرى؟
سؤالٌ أساسيّ سيوضع على الطاولة: ماذا بقي من لبنان الذي نعرفه؟ وأيّ بلد سيصبح عليه هذا اللبنان وسط مخاوف من تداعيات هجرة أهله، مسلمين ومسيحيين، على ديموغرافيّته، في ظلّ بقاء النازحين السوريين فيه؟
مراجعة تجريها جوزفين ديب، تقول أنه منذ خمسة وعشرين عاماً تحدّث البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان على أنّه رسالة، في زمن الاحتلال السوري للبنان. يومذاك شكّلت زيارة البابا “رجاءً جديداً لمسيحيّي لبنان”، ودعوةً إلى التمسّك ببلادهم والتفاعل مع الشركاء في الوطن. أنتجت الزيارة “الإرشاد الرسولي” الذي هو نصّ جديد يشبه العقد الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين في الوطن.
بعد 25 عاماً يعود السؤال نفسه، لكن أمام واقع لبناني أكثر تعقيداً. فقد خرج جعجع من السجن، وعاد عون من المنفى وتربّع على كرسي الرئاسة. إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى تثبيت “لبنان” الذي اجتهد له الفاتيكان طويلاً، بصيغته المسيحية الإسلامية. بل على العكس تدحرج لبنان إلى هاوية سحيقة تهدّد وجوده وكيانه وصيغته وكلّ شيء فيه.
أنّ الإشكالية التي يطرحها الفاتيكان حول لبنان لا تتعلّق بمستقبل المسيحيين فيه بشكل خاص، بل بمستقبل اللبنانيين عموماً، مسيحيين ومسلمين. ذلك أنّ أرقام الهجرة التي تعلنها الإحصاءات تؤكّد أنّه في المستقبل القريب، أي في العشرة أعوام المقبلة، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، سيتحوّل لبنان إلى بلد بأقلّيّة لبنانية وأكثريّة سورية، وهو ما سيغيّر بطبيعة الحال البلاد اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
واليوم، ما هي خشبة الخلاص للبنان؟
هل سيكون بـ “الإرشاد الرسولي” وأي من الرسل قادر على انتشال بلد فيه كل مافيه من فساد وتطييف وزعامات خرجت من الحرب الأهلية بعد أن قادت الحرب الأهلية دون أن تغسل أيديها من الدماء؟
حرب من الفساد لاعلى الفساد، وسيضاف اليه العامل الديمغرافي الذي جعل العامل السوري، إضافة أعباء إلى بلد كل مافيه متازم وقد حمل ازمة بلاده إلى الجار.