إذا لم تكن نصف حرب.. ماذا ستكون؟
نبيل الملحم
اللحظة هي ظهيرة 15 أكتوبر، اللحظة التي يتعاظم فيها الكلام عن وحدة ساحات المقاومة فعلياً، عسكرياً / بالمعنى المباشر؟ أم ستقتصر الحكاية على استرتيجيا، الغموض و”الإلهاء”؟
الخلاصات التي يمكن أن تتراءى بعد تاسع أيّام حرب غزة، يمكن اختزالها:
ـ هذه اللحظة “الغزاوية” وكذا “الإسرائيلية”، لا يمكنها أن تكون نصف حرب، بنصف منتصر ونصف مهزوم، فنتائجها بلا مواربة ستعلن مَن المنتصر، وربما دون أيّة فسحة للنظر بالتكاليف، فثمة ما يبدو حقائق:
ـ اولاً، ربما لم يكن بعلم الغزاويين أن إقدامهم على فتح المواجهة مع إسرائيل، أنهم سيقدمون على ضربات بالغة الوجع للإسرائيليين بمؤسساتهم العسكرية والأمنية والأهلية، بما جعل “هوية الدولة” تهتز ليسارع سكّانها إلى مطار بن غوريون في زحمة لم تُشهّد من قبل، نتيجة مثل هذا المآل، فإذا اقتصر الرد الإسرائيلي على نصف نصر فالنتائج ستكون كارثية على إسرائيل ما بعد عودة المقاتلين إلى أسرّتهم والجيوش إلى ثكناتها، وغالباً لن ترتضي إسرائيل مثل هذا المآل الذي يتصل بـ “الوجود”.
ـ إلى ماذا سيودي استخلاص كهذا؟
إلى القول بأن سياسة الأرض المحروقة ستتضاعف، وستذهب إسرائيل إلى أقصى مسافة من العنف والتهجير وتدمير ما له لزوم وما لايلزم في قطاع غزة.
على الطرف المقابل، سيكون السؤال أشدّ تعقيداً:
ـ هل ستُتُرك ساحة غزة، وتتحوّل “وحدة الساحات” إلى حكاية منسية، أم ستدخل فصائل المحور الحرب، ومن له الحصة الأكبر في “الغنم والغرم” منها:
ـ طهران بحرسها الثوري وسلاحها المباشر؟
ـ حزب الله، أو الحشد والحوثي وملحقات “وحدة الساحات” ومن بينها بشار الأسد؟
قد تكون الإجابة أشدّ تعقيداً بما لا يُقاس من السؤال، فإيران “الحرس الثوري” وأدمغته، لا بد ويعرفون أن البارجات الحربية الأمرييكية لم تدخل محمّلة بآلاف الجنود إلى شرق المتوسط لالتقاط الصور التذكارية على ظهر المدمّرة، فإذا ما حدث وأُطلقت وحدة الساحات فالنتيجة أن اللعبة لن تكون سوى محاكاة للمسارح الرومانية التي تقدّم عروض الاقتتال حتى الموت، وسيكون حال الطرفين هو الانخراط في اللعبة، وعلى مختلف القراءات والظنون، فطهران التي اختارت استراتيجيا “الردع المحدود” ستتردد كثيراً في المواجهة غير المحدودة، فخيار كهذا لن يحتمله اقتصاد محدود ومهدور، وحركات اعتراضية في الداخل الإيراني قد توقظها خسائر الحرب، دون نسيان تلك الحركات القومية الاستقلالية في إيران، وهي الحركات التي طالما عبّرت عن اعتراضها على سياسات ملالي طهران، مرة كمواطنين وثانية كأقليات، بما سيضاعف من حجم الاعتراض في إيران بما يُقلق الداخل الإيراني في محاكاة لليلة سقوط بغداد.
كلام كهذا سيقول بأن إيران ستعمل على إيقاف الحرب عند هذا السقف، بل بما هو أقل من سقف ما طمحت إليه “حماس” في زهوة الأيام القتالية الأولى، وهو ما يشتغل عليه وزير الخارجية الإيراني اليوم، عبر وسيط قطري، وما يشتغل عليه وفق المُعلّن، والمُعلَن لا يعني “المؤكد”، ما يشتغل عليه هو صفقة مفادها:
ـ توقف إسرائيل عملياتها الحربية بمواجهة غزة، تفرج حماس عن الأسرى الإسرائيليين.
وهذا معناه، أن إسرائيل خسرت الحرب، وحماس كما محور المقاومة، لم يربحوا الحرب، فيما دفعت غزة أثمانها.
ما بين اليوم والغد ستتضح الخيارات، ومن ثم سيقف العالم على نتيجة:
ـ نصف حرب، لم يربحها الإسرائيلي فيما خسرت حماس.
حرب شاملة، لن تكون بنتائجها أقل من رسم خرائط جديدة لشرق أوسط مازالت خرائطه زائفة، وحكّامه زائفون.