إذا ما اندلعت حرب مواطن مع نازح.. من سيحصي أعداد الجثث؟
يوماً وراء يوم ترتفع حدّة الصراع على الساحة اللبنانية لتاخذ شكل “ضحية بمواجهة ضحية”، والضحيتان “نازح سوري” بمواجهة “جائع لبناني” فيما الأصوات ترتفع دون الاحتكام إلى الحد الادنى من “العقل البارد” و “الضمير الساخن”، ويبقى المسؤولون عن الكارثة على ضفة النهر لاحصاء الغرقى.. خطاب عنصري تحريضي من طرف، يواجه بخطاب تحريضي عنصري من طرف آخر، فاللبناني يُحيل مآزقه إلى النازح السوري، وأصوات سوريّة ترتفع بأقذر العبارات في توصيف اللبناني وصولاً للبذاءة.
ليس النازح السوري هو المسؤول عن الحال اللبناني، ولا اللبناني هو المسؤول عن الكارثة السورية بتداعياتها والنزوح أبرز تلك التداعيات.
المسؤول، هو أولاً ما آلت اليه سوريا عبر الحرب ومولديها، والفساد وقد اجتاح لبنان بمسؤوليه.
على الطرف الأول ما من عاقل يرى رغبة للنظام باستعادة مواطنيه النازحين، فإذا ماعادت الأمور إلى رغبته، فربما بات يرغب بترحيل من تبقى في البلد وتهجيرهم، ويدلل على هذا بـ :
ـ المزيد من سياسات النهب لما تبقّى من مصادر الثروة.
ـ المزيد من التغوّل البوليسي.
ـ الاطمئنان الذي يعيشه النظام ما بعد الانفتاح عليه، وهاهم السوريون ينتظرون زيارة قريبة للرئيس الإيراني ليشدّ من عضد النظام ويمنحه المزيد من الاطمئنان.. الاطمئنان المبني على قوّة السلاح لاقوّة العدالة والمواطنة.
وعلى الصعيد اللبناني، فالطبقة الحاكمة برؤوسها الستة، لم تدخّر وسعاً في النهب وإفلاس البلد، واكثر من ذلك بالاستثمار في موضوع النازحين حتى بات النازح استثماراً في السياسة والمال معاً، وبلاشك فالمعونات التي ينالها النازح السوري هي جزء من النهب الذي تمارسه هذه الطبقة، والفساد لايطالها وحدها بل يطال الدول المانحة بمن يمثلها.
موضوع النازحين السوريين لابد ويستلزم جملة من الأسئلة، اوّلها:
ـ هل يحتمل بلد غارق مثل لبنان احتواء أعداد تصل إلى أعداد سكّانه وعلى كل المستويات بدءاً من التعليم والطبابة والخدمات والإسكان والرغيف.. هل يحتمل؟
الإجابة بالنفي طبعاً.
والسؤال الثاني:
ـ إلى أين سيعود النازح السوري؟ إلى مدنه المدمّرة؟ وإلى نظام يطارده؟ وإلى انعدام |أيّة ضمانة دولية بعودة آمنة؟
الإجابة بالنفي كذلك.
المسألة في هكذا حال لابد وتعود إلى جذورها، وجذورها في سوريا وفي سوريا سيكون النظام حصراً هو المسؤول الأول والأخير عن هذه العودة، ولم يلمس أحد أن النظام منشغل باستعادة مواطنيه فيما العكس يثبت يوم وراء يوم، وهنا يأتي دور المجتمع الدولي، ومن مسؤولياته التوقف عن المصالحة مع النظام قبل حلحلة مجموعة من المسائل المستعصية ومن بينها موضوع النزوح الذي يتطلب لحلحلته خطوات باتجاه:
ـ الاشتغال على إعادة الإعمار.
ـ الاشتغال على حث النظام على خطوات إصلاحية صريحة ومعلنة ولا التباسات فيها.
ـ الاشتغال على تأمين مايكفي من ضمانات العودة الآمنة.
وكلها اشتغالات لايشتغل المجتمع الدولي عليها، فيما الجمر يشتغل تحت الرماد اللبناني ليتطور إلى نتائج من الصعب التنبؤ بها، ومن بين الاحتمالات التي لايجوز إنكارها، اشتعال حرب أهلية ما بين :
ـ مواطن لبناني ونازح سوري.
وهنا ستكون الكارثة مضاعفة، دون نسيان أن ثمة من يشتغل على إضرام حرائقها، ومن الطرفين:
ـ معارضات سوريّة بطروحات عنصرية بالغة البشاعة تشدّ عصب العنصرية اللبنانية.
يقابلها طروحات لبنانية لاتقل بشاعة.
واخيراً سيكون السؤال:
ـ إذا ما اندلعت هذه الفوضى وبهذه الكارثة:
ـ من سيجلس على حافة النهر لإحصاء الجثث؟